xmlui.dri2xhtml.METS-1.0.item-abstract:
بدأ الصراع للبحث عن الهوية المعمارية والثقافية في مصر منذ النصف الأول من القرن العشرين، عندما انتقلت العمارة إلى أيدي المعماريين المصريين، وانقسمت الآراء حول اتجاه الهوية المصرية بين الطراز المصري القديم أو الإسلامي أو الهوية الريفية المحلية. وكل منهم يرى أسباباً منطقية لتبنيه اتجاهاً دون الآخر. وفي الحقيقة إن الإختلاف يدل على التنوع الثقافي الذي عاشته مصر، وإذا ما تم استعمال كل من هذه الإتجاهات المختلفة في مكانه الصحيح فإن ذلك سيضيف ثراءً للهوية مما يعبرعن الغنى الثقافي والعمق التاريخي.
ولم تتعد محاولة تحقيق الهوية المعمارية في مصر في معظم حالات المباني العامة استخدام مفردات تصميمية من الإتجاه المرغوب لتغطي القشرة الخارجية للمبنى، فلم تتناول فكرة الهوية العمارة الداخلية إلا فيما ندر، وفي بعض الحالات كان التناول على شكل تصميمات زخرفية سطحية، أو تقليد مباشر لطراز ما باستخدام عناصره استخداماً مباشراً.
ولا يقل أهمية هوية العمارة الداخلية عن الهوية الخارجية للمبنى والتنسيق الحضري للمدينة ككل، فإذا كانت العمارة تحافظ على الهوية الوطنية والقومية للبلد فإن العمارة الداخلية تزيد من تأثير وقع الهوية على المستخدم وتحقق الإنتماء للمكان لما لها من تأثير مباشر وحميم على الصعيد النفسي للإنسان وذاكرته المكانية من خلال العنصر البصري متمثلاً بالمعالجات الجمالية للحيزات الداخلية، أو العنصر التفاعلي متمثلاً بالعلاقات بين الحيزات أو التأثيث الداخلي، والأنشطة والتي تخلق مجتمعة تجربة إجتماعية وحسية ممتعة للمستخدمين. يساعد ذلك على تكوين شخصية المستخدمين والإرتباط بالمكان والإنجذاب إليه، فيتحقق الإنتماء للحيز المكاني في المبنى العام وبالتالي الولاء للحيز المكاني الأشمل وهو الوطن.
وإذا كانت المباني الخاصة والسكنية تخضع لأهواء أصحابها، فإن المباني الحكومية والعامة التابعة للدولة يجب أن تكون أكثر قدرة على إيجاد الهوية لأنها يجب أن تخضع لرقابة ودراسة عميقة لمدى ارتباطها بالهوية وبالنسيج العمراني المحيط وهذا ما نفتقده في مصر.
كما ترتبط طرز العمارة الأصيلة في مصر ببيئتها سواء الطراز المصري القديم أو الريفي المحلي أو الإسلامي، فمن خلال ملاحظة هذه الطرز نجد أنها جميعاً تشترك بمراعاة الشروط المناخية والبيئية من حيث استخدام الخامات المحلية، وأيضاً توزيع الحيزات الداخلية بما يتناسب مع التوجه الجغرافي الذي يحقق أكبر استفادة من الطاقات الطبيعية؛ الشمس والهواء.
يشكل مقترح حسن فتحي لمركز ثقافي في الأقصر نموذجاً عن ارتباط التصميم المعماري الداخلي بالعمارة، لتحقيق مبنى صديق للبيئة ذو تصميم ريفي محلي وفكر إسلامي معاً. وضع هذا المقترح في بداية سبعينات القرن الماضي، ولكنه لم ينفذ حيث جوبهت مباني حسن فتحي العامة بالرفض في كثير من الأحيان. فبعد مرور أكثر من نصف قرن على بناء قرية القرنة نرى أن الحالة الراهنة للقرية طالتها يد الإهمال، وأظهرت التجربة أن من أسباب ما أصابها هو حاجة المباني للصيانة الدائمة مما يرهق السكان البسطاء (عبد اللطيف 2012، 5)، فأجروا عليها العديد من التعديلات من أهمها هو هدم الكثير من الإجزاء وإعادة بنائها بالخرسانة لتكون أكثر متانة وتحمُّلاً من الطوب النئ الذي بنيت به، مما غير ملامح القرية ولم يبق من البيوت الأصلية إلا القليل. ومع وجود محاولات جادة من المهتمين بالتراث لحماية مباني حسن فتحي العامة وإعادة توظيفها، تبرز لنا أهمية إعادة النظر في هذه المباني لدراسة مدى إمكانية إعادة استخدامها بما يتماشى مع المتطلبات الوظيفية المعاصرة والمستقبلية للمستخدمين في مصر، دون المساس بالفكر الأصيل للمعماري حسن فتحي. من خلال إعادة دراسة توزيع وظائف المبنى والخدمات في الحيزات الداخلية، ومن حيث الخامات المستخدمة التي يجب أن تجمع بأن تكون بيئية ومعالجة ضد التلف نتيجة العوامل الجوية وغيرها وتوفير القدرة على الإستفادة من التكنولوجيا الحديثة وإدخالها في المبنى سواء من حيث البنية الأساسية أو المفروشات المضافة.