الخلاصة:
تعد النقوش الكتابية القاسم المشترك الأعظم على الأعمال الفنية الإسلامية سواء أكانت معمارية أو تشكيلية أو تطبيقية ، حيث دخل الخط كعنصر زخرفي مهم فى منتجات الفنون الإسلامية المختلفة وذلك لما له من ميزة زخرفية واضحة، فقد كان الخط فى كثير من الأحيان يمثل أهم العناصر فى زخرفة الإنتاج الفني الإسلامي، بل أنه فى بعض الأحيان كان يمثل العنصر الزخرفي الوحيد فيه ، وينظر العرب إلى الخط على أنه فن قائم بذاته فضلاً عن إسهامه مع الفنون الأخرى فى تكوين لوحات فنية رائعة تثري التحف المختلفة .
ونظراً لأهمية النقوش والكتابات كمصدر حضاري مهم فقد عكف كثير من العلماء والباحثين على جمع هذه الكتابات ودراستها وتحليلها، وتأتي هذه الدراسة ضمن هذه الإطار العلمي يهتم فيه البحث برصد ووصف وتحليل النقوش الكتابية العربية المنفذة على نمط من العمائر الإسلامية الباقية بمدينة الطائف وهى العمائر المدنية، ومحاولة كشف النقاب عن مواضع هذه النقوش وأنواعها وتصنيفها وبيان طريقة تنفيذها وأسلوب ونوع الخط المستخدم، وأهميتها الفنية والتاريخية سواء بالنسبة لتلك العمائر وكذلك لمدرسة الخط التي كانت معروفة وشائعة فى الطائف ومنطقة الحجاز خلال فترة بناء العمائر المدنية والتي غالباً ما كانت خلال القرن 13هـ/19م.
لذلك فهذه الدراسة تعتمد فى المقام الأول على الجانب الميداني لحصر وتصوير وقراءة ما تضمه العمائر المدنية الباقية بمدينة الطائف من نقوش مختلفة سواء من الخارج أو من الداخل، وكذلك المنهج التاريخي من خلال استقراء ما جاء فى المصادر والمراجع المتخصصة فى مجال النقوش من معلومات وبيانات تساعد على بيان أهمية تلك النقوش موضوع الدراسة وتحليل مضامينها ومقارنتها مع مثيلاتها بنقوش منفذة على عمائر أخرى لاسيما بمدن الحجاز المختلفة التي تتبعها مدينة الطائف.
وقد تطور الخط العربي وتميز كفن أصيل نبع من روح عربية صرفة ومع تطوره احتفظ بخصائصه العربية - وفى معظم الأحيان - بعيداً عن التأثيرات الأجنبية . إن ما حدث من تطور لأشكال الخط العربي يمثل صدى واضحاً للواقع الحضاري للبلاد التى فتحها العرب فظهر بطرز مختلفة .
تطور الخط العربي على يد العرب إلى فن جميل واحتل مكان الصدارة بين الفنون الإسلامية والعربية, وترجع عناية المسلمين بالخط في الدرجة الأولى إلى أنه كان الوسيلة الأساس التي حفظ بها القرآن الكريم، فارتبط ذلك في أذهان المسلمين وزاد إجلالهم له فضلاً عن قيمته الجمالية .
ولم يكن المسلمون أول الأمم التى استعملت الكتابة فى زخرفة العمائر والتحف وسائر الآثار الفنية، فقد سبقهم إلى ذلك أهل الشرق الأقصى، وأقرب مثال على استخدام الكتابة للزخرفة من الأمم السابقة على الإسلام فى مصر الفرعونية، كما هو على جدران المعابد والمقابر وكذلك على التحف المختلفة، ولكن ليس ثمة فن استخدم فن الخط فى الزخرفة بقدر ما استخدمه الفن الإسلامي .
وإمتاز الخط العربي بعدة خصائص فنية لم تتوافر لغيره من الفنون العربية الإسلامية، وذلك لأن مرونة حروفه وسهولة حركته، وقابليته للتشكيل والزخرفة أدت الى إطلاق العنان للخطاط المسلم لأن يشكل حروفه حسب المساحات المخصصة للكتابة، ويزخرف كتاباته بشتى الأساليب الزخرفية التى يراها ملائمة للتحفة التي يشكلها .
ومن ثم لم يقف إعجاب المسلمين بالخط عند حد ما فيه من قيمة جمالية بل صار يتصل أيضاً بالعاطفة الدينية وهكذا صار المسلمون ينظرون إلى الخط نظرة تقدير ويتذوقونه بمتعة روحية .
وقد نفذت النقوش والتشكيلات الكتابية بأساليب فنية وصناعية مختلفة بالتلوين، والتطعيم، والحفر سواء فى الجص أو الخشب أو الحجر أو غير ذلك من مواد البناء والزخرفة .
إكتسب الخط التقدير والعناية والتطوير ، واحتل مكانة الصدارة بين الفنون الإسلامية والعربية وأشكال حروفه من الحيوية بفضل ما فيها من الموافقة والمرونة والمطاوعة وما فيها من اختلاف فى الوصل والفصل مما هيأ لها فرص التطوير والزخرفة بطرق وأساليب شتى .
والنقوش والكتابات هي فى الواقع وثائق أصلية يصعب الطعن فى قيمتها ومصدر وثائقي لا يمكن تجاهله، ولذلك أدرك العرب والمسلمون أهمية هذه النقوش سواء كانت لوحات تأسيسية أومراسيم سلطانية أو كتابات تذكارية أو غيرها لتكون شاهداً قوياً على الغرض الذي كتبت من أجله كما أنها مصدر يصعب تزويره أو تغيره فى الغالب، ولتلك النقوش أهمية قصوى كذلك فى تصحيح كثير من الأخطاء التاريخية أو بعض المعلومات التاريخية سواء تلك المتعلقة بأسماء أشخاص أو تأريخ عمائر أو بعض المعلومات التاريخية.
وقد كان للحجاز ومدنه المختلفة ومنها مدينة الطائف طابعه الخاص والمميز في النقوش والكتابات لاسيما أن الحجاز عرفت مجموعة ليست بالقليلة من الخطاطين المحليين ونسبت لهم غالبية النقوش الكتابية التي وصلت إلينا خاصة فى العصرين المملوكي والعثماني .
وقد تنوعت مواضع ومضامين النقوش الكتابية المنفذة على العمائر المدنية الباقية بالطائف، ويمكننا حصرها في كتابات دينية ودعائية وتأريخية، حيث درج أهل الحجاز ومنهم سكان الطائف فى العصر العثماني على نقش بعض الآيات القرآنية والعبارات الدعائية والدينية على واجهات منازلهم ومنشآتهم تيمناً بها واعتقادا منهم بأهميتها في درء الحسد واستفتاحًا لبعض النقوش الأخرى وغيرها