الخلاصة:
تُبنى الحضارات مستفيدة من تطوّر المعارف وتلاقح مشاربها العلميّة، ويتجلّى هذا التطوّر في صور ومظاهر شتّى تُنبئ بما بلغته المجتمعات من رقيّ وثراء وتنوّع. ولعلّ من أبرز تجليّات الإبداع الإنساني في عصرنا هذا، التصميم الحضري للمدن والأثاث الذي يُعرض في ساحاتها وفضاءاتها، والذي غدا شاهدا حيّا على جوهر هذه الحضارة أو تلك، ومرآة لما بلغنه شعوبها من رفعة وسموّ. وقد شهدت هذه الفترة المعاصرة بزوغ اتّجاهات مختلفة تفرّعت عن علم التّصميم الحضري وممارساته. وهي اتّجاهات أثْرى النقد أصولها ودفع بمسيرتها الفلسفيّة نحو أفق جديد. والفلسفة من هذا المنظور هي الحبل السرّي الذي تغذّت عليه تلك الاتّجاهات منذ البدء، حيث أضفت على تصاميم وحدات "أثاث الشّارع" المستخلصة من جذورها النظريّة والتطبيقيّة عمقا حضاريّا بعيد الغور. يتّصل بهويّات الشعوب وخصوصيّاتهم الاجتماعية، والعرقيّة، والثقافية. وفي ظلّ استحضار هذا الثراء المعرفي، لا مناص من تعرية واقع إشكاليّة التّصميم الحضري في علاقته ب "أثاث الشّارع"، وذلك بتسليط الضوء على بعض الجوانب الملتبسة والمتّصلة ببروز التجاذبات المعرفيّة، واحتداد التصادمات الاجتماعيّة، وتضارب المصالح بين القوى السياسيّة التي كان من الممكن أن تتناقض مع الحريّة اللاّزمة للإبداع والابتكار. لكن، وعلى عكس ما كان متوقّعا، فإنّ هذه التباينات أدّت بجلّ المصمّمين إلى محاولة التّلاؤم مع كلّ قضيّة من القضايا المثارة والمرتبطة بالمجال العامّ.
من هذه الزّاوية المتعدّدة الجوانب، تناولت هذه الورقة العلميّة إشكاليّة تصميم "أثاث الشّارع" بين تحدّي الضّوابط الحضريّة وبين إدارة فسيفساء التنوّع والاختلاف. ناقش هذا المقال إذن، سبل مواجهة التحديّات الحضريّة بالنسبة إلى مصمّم "أثاث الشّارع"، فتناول إدارة التّصميم في المستويين التّشغيلي والاستراتيجي وتطرّق إلى أبرز الاتجاهات المعاصرة في التصميم الحضري وأثاثه، ومن هذه الاتّجاهات نذكر:
الاتّجاه التّواصلي الذي تفرّع عنه اتّجاهان:
اتّجاه نفعي يستلهم أصوله من "ويليام جيميس" أو ما يسمّى بالأداتيّة حسب فلسفة "جون ديوي".
اتّجاه العقلانيّة التّواصليّة المبنيّ على نظريّة "هيبرماس".
الاتّجاه العادل
وتوسّلنا في تحليل كلّ واحد من هذه الاتّجاهات بالمناهج العلميّة التطبيقيّة التي يعتمدها المصمّمون أثناء تناولهم للأطروحات الحضريّة العالقة.