الخلاصة:
لعب الأتراك العثمانيون دورا كبيرا في تاريخ الفن الإسلامي ، ونشروا طرازا فنية جديدة في الأقطار الخاضعة لهم ، وكان من بينها مصر ، وظل هذا الطراز قائمأ خلال تتة قرون تأرجح فيها حسب الحالة السياسية والاقتصادية بين الارتفاع والانخفاض ، وقد انتشر هذا الطراز عن طريق صناع، يعت بهم البلاط العلماني إلى الولايات التابعة للدولة ، قيل إنهم بعثوا بدلا من صناع الولايات الأصليين الذين استقطبهم السلطان سليم الأول إلى استانبول العاصمة العثمانية ، رغبة في تمييزها عن بقية مدن الخلافة العثمانية ، ويرجع الفضل في التطور الفني الذي حدث في هذا العصر في مصر إلى بعض الولاة والأمراء الذين لم ينساقوا . كغيرهم من الولاة نحو جمع الأموال وتكوين الثروات على حساب الحالة الاقتصادية والفنية للبلاد ، ومن هؤلاء الولاة : سليمان باشا وداود باشا وسنان باشا ، ومن الأمراء : مصطفی جوربجي ميرزا و عبد الرحمن كتخدا ، ومحمد بك أبو الذهب الذين خلفوا ترائة معمارية يشهد على الازدهار الفني في هذا العصر . وقد انتشر هذا الطراز العثماني في العمائر القائمة بالقاهرة من مساجد ومدافن وأسبلة ، ومنازل ، كما انتشر في التحف المنقولة ، فتشمل معظمها من خزف ونسيج وسجاد ومعادن وتصوير وفنون للكتاب وزجاج وخشب و عاج وزخرفة للجدران ورخام وقد شملت الأبحات العلمية الحديثة غالب هذه التحف عدا الرخام إلا في إشارات بسيطة له في كتابي " الفنون الزخرفية الإسلامية في العصر العثماني للدكتور / محمد عبد العزيز مرزوق ، و" فنون القاهرة في العهد العثماني " للدكتور / ربيع حامد خليفة ، وقد جذب الرخام انتباهي كنوع من الفنون يتصل بالعمارة ، ويتميز بكترة اتخاذه في الأعمال المختلفة ، ولذا رأيت أن أتناوله بالبحث ، وكانت صياغتي للموضوع هي "أعمال الرخام في القاهرة في العصر العثماني دراسة أثرية فنية" ، وكانت القاهرة هي المدينة التانية بعد استانبول العاصمة العثمانية التي حازت اهتمام العلمانيين ، وكانت محط الرحالة من المشرق والمغرب التي وإن تأثرت بطراز العلمانيين فإنها قد أثرت فيه أيضأ . وكان لصناعة الرخام جذور عميقة في مصر قبل العصر العثماني رغم فقرها في إنتاج الأنواع المتميزة منه، حيث استعمله المسلمون في كثير من أبنيتهم وزادوا من استعماله عند قدومهم إلى مصر مستفيدين في ذلك من حضارات أمم سابقة عليهم كالفراعنة واليونان والرومان والبيزنطيين . لم يكن المسلمون في ذلك مبدعين ، بل إن كل حضارة من هذه الحضارات كانت تستفيد من میرات الحضارة السابقة عليها ، وفي العصور الإسلامية ذاتها كان كل عصر منها يقيد من تراث العصر السالف له وقد أثبتت المصادر التاريخية لة محاجر الرخام في مصر مما دفع المسلمين إلى استيراد احتياجاتهم منه من الخارج لعدم وفاء المصادر الداخلية بهذه الاحتياجات ، وقد ساد هذا التقليد في العصر العثماني كذلك ، وكانت أهم مصادر الرخام العثماني الخارجية هي بلاد الشام وآسيا الصغرى وبعض البلاد الأوروبية كاليونان وفرنسا وإيطاليا. وقد ذكرت الوثائق العثمانية أنواع كثيرة من الرخام استخدام معظمها قبل ذلك في العصر المملوكي كالسماقي والياسميني والخليلي والصعيدي والسويسي وقد تطورت طرق صناعة الرخام في العصر العثماني بسبب كترة الحاجة إليه وقلة المتوفر منه ، وكان لكل مرحلة من مراحل صناعته متخصصون من الصناع لاستخراجه وتشكيله وصقله وتطعيمه وزخرفته و الكتابة عليه ، وقد ذكرت بعض أسماء هؤلاء الصناع كل حسب تخصصه ، فمن صناع التكسيات المرخم حسن الذي وقع داخل جامة زخرفية على هيئة المحراب بمسجد مصطفی جوربجي ميرزا 1110 ه / 1698م ، ومن الكتاب على اللوحات الرخامية التأسيسية على بغدادي الذي وقع على لوحة تجديد الأمير عبد الرحمن كتخدا للأزهر ، ومن صناع التراكيب الرخامية المرخم محمد جلبي البولاقي الذي قام بنفش اسمه على تركيبة لأحد أمراء العصر العثماني محفوظة بمتحف الفن الإسلامي ومما لا شك فيه أن توقيع الصناع على بعض أعمال الرخام في هذا العصر يؤكد المرتبة التي وصلوا إليها من إتقان الصنعة والتطور الذي لحق بها . وقد سلك هؤلاء الصناع طرقة متعددة في تنفيذ الزخارف على أعمال الرخام كالنحت والتعشيق والكسوة والحفر والتطعيم والتجميع وأخرجوا أشكالا متعددة من الزخارف كان معظمها نباتي أو هندسي، وقد تغلغل التأثير العثماني في الزخارف النباتية ، فظهرت له أساليب جديدة كالرومي والهاتاي والباروك والروكوكو ، كما تغلغل التأثير المملوكي المصري على قدم المساواة مع العثماني، وذلك في الزخارف الهندسية خاصة الفسيفساء الرخامية وأشكال المراتب والمدورات بتكسيات الجدران والمحاريب وقد نفذ الكتاب على الرخام كتابات تتميز بالدقة والتطور في أشكال الخطوط ، وبخاصة خط التلت الذي كان للعثمانيين فضل في تطويره وإخراج الأفلام الجديدة منه ، كما تميزت هذه الكتابات من حيث مضمونها فارتبطت بالمنشآت التي كتبت عليها ووظائفها إن كانت دينية أو مدنية .