الخلاصة:
المشترك بين الأديان فيما يتعلق بالقيم الخلقية والتزام الإنسان نحو أخيه الإنسان أكثر من أن يدخل تحت حصر. إنه يمثل مساحة واسعة في الأديان جميعا، فكلها تقول الك: لا تسرق، لا تأكل حق أخيك، لا تقتل.. إلخ، كما يظهر بوضوح كامل لكل قارئ لهذه الموسوعة. مشكلة واحدة تلوث هذا المشترك الأخلاقي الراقي، وهي فكرة وجود
جماعة " أو " شعب " أو عرق يدعى - على أسس دينية - أنه أفضل من سائر خلق الله وأن الله اختصه بهد خاص، جعل ما ينطبق عليه لا ينطبق على سائر البشر، بل إنه يضيق الحلقة على نفسه فلا يسمح بدخول دينه ولا يدعو أحدا إليه حتى يظل - في ظنه - متمتعا وحده بالمزايا التي مازه الله بها على سائر خلقه. وحتى لو اعتنقت دينه جماعة من غير العرق" الذي ينتمي إليه - طبق عليه قوانين مختلفة. هذه الفكرة خطيرة جدا لسبب بسيط واضح وهو أن المعايير الخلقية والوصايا الدينية يمكن ببساطة أن تنظر لها هذه المجموعة العرقية المختارة، على أنها لا تنطبق إلا داخل المجموعة العرقية نفسها، فتم السرقة داخل المجموعة، وتبيح سرقة الأغيار، أي الذين لا ينتمون لهذا العرق أو المجموعة المختارة. وقل مثل هذا عن القتل والزنى وغيرهما، وتجد هذه الفكرة تأكيدا لها على مستوى الشريعة؛ إذ نجد أن هناك تشريعين، تشريعا يطبق على المنتمين لهذه المجموعة "المختارة وتشريعا آخر يطبق على غيرهم، بل وطقوسا دينية (شعائر) يختص بها "الأصيل لا يسمح للدخيل بالقيام بها . هذا موجود كما يطالع القارئ في هذه الموسوعة بين بعض طوائف الديانات الهندية وموجود بوضوح كامل في الديانة اليهودية في زمن لاحق أظهور موسى (عليه السلام)، والجديد أن هذه الموسوعة تشير باختصار إلى أن الفكرة وجدت أيضا في بعض الجماعات الدينية في الأورثوذكسية الشرقية. حقيقة إن الكنيسة الكاثوليكية تسمى نفسها إسرائيل الجديد بمعنى أن "عهد" الله قد انتقل إليها، ولكن الكنيسة الكاثوليكية لا تعتبر أتباعها يشكلون "عرقا وإنما هي تمثل دین "دعوة" أو "تبشير"، وتنظر لنفسها باعتبارها مسئولة أخلاقا ودينا عن الجنس البشري كله. وهذا فرق جوهری يتيح التعامل معها ومع من تمثله على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي بانفتاح. والشيء نفسه يقال عن البروتستنطية وكنائسها، وعن الأورثوذكسية فيما عدا الجماعات التي أخذت بفكرة "الشعب المختار مع التزامها بالتبشير أو الدعوة. وليست هذه الفكرة بقائمة في الإسلام، فهذه الموسوعة التي بين أيدينا تشير إلى إنه دين عالمى النزعة، والله - سبحانه . عند المسلمين هو رب العالمين" وهو يضم بين جنبيه معظم أفكار الأديان السابقة عليه بل يكاد يكون مدافئا عنها في بعض عقائدها وشرائعها،| فبرا العذراء مريم الطاهرة، وأقر كل معجزات المسيح (عليه السلام) ودفع عنه الأقوال الكريهة، وأقر التوراة والإنجيل کوحى منزل.. إلخ. وفتح المسلمون قلوبهم لكل الأديان واعتبروا الداخلين في دينهم إخوة لهم واعتبروا من لم يدخل دينهم تحت حمايتهم أي في ذمتهم وفي القسم الخاص بالكنيسة الأولى من هذه الموسوعة (۲/۲) نجد أن لاهوت المسيحية يجعل كنيستها مسئولة عن نهاية الدهور " على المستوى البشري كله مادام أعضاؤها وهم بذور إبراهيم
Abraham's Seeds هم ورثة وفقا للوعد (الرسالة إلى أهل غلاطية، الإصحاح 3، الفقرة ۲۹)، وعليهم تنفيذ "مرحلة الإنجاز الأخيرة. ومنذ اقتراب الألفية الثالثة جرى التركيز على هذا المفهوم، فمسألة فهم العقائد إذا ليست ترفا فكريا، وإنما هي مسائل لا يمكن فهم الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بدونها .