الخلاصة:
فى البداية يجب الإشارة إلى أن الأسس والأفكار التى قامت عليها فنون الميديا الجديدة (*) لم تأتى من العدم وإنما إستلهمت تاريخ تطورها من سمات المدارس والحركات الفنية السابقة لها عبر التاريخ هذا بالإضافة إلى الإستفادة من الإمكانات التكنولوجية المتاحة والنظر بصورة أكثر إنفتاحا لمعطيات الواقع دون وضع محددات للخيال .
وقد حمل الفكر الحداثى من خلال المدارس والإتجاهات الفنية التى إنتهجته النواه لظهور فنون الميديا الجديدة على الرغم من أن إنتشار الأخير جاء من خلال الفكر المابعد حداثى ، حيث أدى الدمج ما بين الفن والعلم إلى ظهور مجموعة من العوامل التى ساهمت فى تشكيل سمات الفن الحديث كان من بينها : تحرر الفنان من محاكاة الواقع بحيث تبدلت النظرة المادية الموضوعية للواقع شيئا فشيئا ، وتغير مفهوم تناول المنظور كأحد أبرز العناصر التى تعكس تأثير التحولات الفكرية على الثقافة البصرية و أصبحت رؤية العناصر والأبعاد الثلاثة للفراغ تخضع لذاتية الفنان ، وبناءا عليه ظهرت العديد من المدارس الفنية التى كان هدفها الأساسى هو إبراز رؤية الفنان التى تحمل ذاتيته والتوسع بالإمكانات الفنية التى يقدمها ليتماشى جنبا إلى جنب مع التطور العلمى والتكنولوجى بعيدا عن كلاسيكيات الفن ، وتعد عملية البحث عن أفكار ورؤى جديدة هو أمر وثيق الصلة بشكل كبير بعملية التجريب المستمرعلى المستوى الفكرى والتطبيقي الأمر الذى ساهم فى إثراء أبجديات اللغة التشكيلية بالفن الحديث ومثل مدخلا لإستخدام خامات وأدوات ووسائط غير تقليدية وغير متعارف عليها آنذاك لتوظيفها داخل العمل الفنى وهو ما مهد لظهور فنون ما بعد الحداثة .
وتأتى فنون الميديا الجديدة كأحد إتجاهات فنون ما بعد الحداثة والتى إستطاعت خلق نوع من تعددية الأبعاد فى العمل الفنى ، فمع الإستمرار فى التطور التكنولوجى إستندت الفلسفة الما بعد حداثية إلى إتاحة الفرصة لإمكانية التداخل والتكامل ما بين المجالات الفنية المختلفة والوسائط المتعددة لتحقيق أقصى إمكانيات تفاعل للمتلقى مع العمل الفنى ، وبالتالى ظهرت إتجاهات فنية جديدة مثل فن الأداء ، و فن التجهيز فى الفراغ بحيث ضم كلا منهما مجموعة من الأجناس الفنية المختلفة لتوظيفها بصوروأفكارأتاحت خلق درجات مختلفة من التفاعل والإنغماس للمتلقى على المستوى الحسى والبصرى والسمعى مع التجارب الفنية . أيضا نتج عن الدمج والتداخل ما بين الفن والعلم والتكنولوجيا خاصة فى الآونه الأخيره بصمة غيرت ملامح وسمات الأعمال الفنية، ونرى ذلك واضحا من خلال الأعمال الفنية مختلفة الدرجات فى التفاعلية التى قدمتها فنون مثل (الفن الحركى kinetic art)، و(الفن السيبرانى cybernetics)، و(فن الواقع الإفتراضى Virtual Reality).
ويعتبر فن الواقع الإفتراضى من أبرز المصطلحات التى قدمتها فنون الميديا الجديدة حيث استطاعت أن تقدم بيئات تفاعلية تحمل مجموعة من الأبعاد الزمانية والمكانية التى يتفاعل معها ذهن وحواس كلا من الفنان والمتلقى على حد سواء من خلال أدوات توفر أولا للفنان إمكانية الرسم والتصميم لتقديم تجربة فنية تفاعلية للمتلقيين والذين تتاح لهم إمكانية المشاركة والتفاعل مع رسوم وألوان وخطوط مجسمة ثلاثية الأبعاد داخل فضاء ال (VR) ، وبناءا عليه عملت فنون الميديا الجديدة على إعادة تعريف عملية التفاعل والإتصال والمشاركة ما بين ( الفنان والعمل الفنى والمتلقى ) بناءا على نوعية العمل الفنى التفاعلى الذى قام الفنان بتصميمه ، فقد ساهم التطور التكنولوجى بشكل كبير على تنوع واختلاف أساليب ومستويات توظيف الفنان لدرجات التفاعل وإنغماس المشاهد مع الأعمال الفنية خاصة التى تتسم بفكرة التعددية وإختيار صيغة العمل الفنى النهائية من خلال تفاعل المشاهد مع تسلسل الأحداث فى عوالم ال VR فى محاولة لإثبات إمكانية الإستفادة من توظيف امكانيات بيئات الواقع الإفتراضى الرقمية لتصميم أعمال فنية تفاعلية مبتكرة بأفكار وأساليب واتجاهات جديدة .