الخلاصة:
يستند الفكر اليهودي إلى مبررات أيديولوجية تستمد قوتها من العقيدة أحيانا والتراث العبراني في أحيان أخرى ، فيتم ربطها بالواقع وتوظيفها لخدمة أهدافهم وقد استخدم اليهود هذه البنية الأيديولوجية لما يعرف بالتهجير في اليهودية أو ما يسمونه ب "الترانسفير. فقصة هاجر زوج إبراهيم عليه السلام وما يعتريها من تطورات تاريخية وملابسات عقائدية وما تحتويه من مضمون سیاسی و دینی و اقتصادی ، كانت البازغة الأولى على هذا الطريق المرير، بعدما عمدت إليه النصوص التوراتية من إظهار جذور العرب الأولى على أنها مثال ناصع في الاستسلام دون أدنى مقاومة ، امتثالا لما فعلته هاجر ، فضلا عن الإمعان في اختيار المنفى كملاذ آمن من
طغيان عقيدة لا تتوانى في طلب الطرد والإقصاء والإبعاد للعرب تحت ضغط تعاليم دينية ووعود مقدسة واجبة النفاذ .
ولأن الكتب السماوية على اختلافها قد سيقت لبني البشر للتدبر وأخذ العظة والعبرة ، واستلهام الدروس ، فإن هذا البحث يقدم بيانه في واحدة من أعقد مشكلات هذا العصر ذات الجذور الدينية العميقة ، وهي تلك المرتبطة بعلاقة الكر والفر بين العرب - الذين يتمسكون بأراضيهم التي شهدت خطى أجدادهم وتراثهم الحضاري ، وبين اليهود الإسرائيليين في العصر الحديث بوصفهم الطرف المغتصب لحقوق الغير ، والسائر نحو ملاحقة ومطاردة أصحاب الأرض الفعليين تحت دعاوى وأكاذيب يستقد بعضها إلى التعاليم الدينية ، والبعض الآخر يشفع بمبررات سياسية وقانونية لا أساس ولا سند لها ، وتفتقد المشروعية والمصوغ الأخلاقي .
وقد عمدت الدراسة إلى الارتكاز على ثلاثة روافد أساسية يمكن تقديمها إلى المتخصصين للانطلاق نحو دراسات أعم وأشمل ، ويتمثل الراقد الأول في تقديم رؤية تحليلية للبنية التاريخية التي تناولت قصة هاجر في اليهودية طبقا لما ورد في كتابهم "المقدم" وذلك الاستخلاص العبر والدروس من سياقها الديني والإنساني ، ثم الانطلاق إلى حيث الرافد الثاني الذي يتناول إمعان اليهود في تعميق جروح هاجر وعذاباتها من خلال آلية الطرد والتهجير والإبعاد والاستسلام والخنوع بوصفها أقسى أنواع الإيلام الإنساني ، وقد غالي اليهود في أتباع منهج لهذا الأسلوب كالية دائمة توسم ب "الترانسفير" في علاقتهم بالعرب وتنفيذها بالقوة القاهرة .