بدأت الاتجاهات الحديثة في مجال الآثار تهتم بدراسة النقوش الكتابية في إطارها الأثري والبصري، ولكن بطريقة مختلفة وبمنظور أوسع من الدراسات المعمارية واضعة في الاعتبار أن النقوش الكتابية تمثل رسالة معينة أيًا كان نوعها يحملها مضمون النقش، ويقصدها المسئول عن الأثر وهذه الرسالة يُقصد إرسالها إلى الرائي أو المُستقبِل لهذه النقوش، والذي يمثل المُستقبِل لهذه الرسالة، وعلى هذا فإن النصوص الكتابية يستوجب تحقيق هدفها أو وظيفتها الأساسية أن يُنفذ نصها في نقش كتابي يسهل على المُستقبِل رؤيتها وقراءتها وفهمها سواء أكان هذا القارئ معاصرًا لإنشاء الأثر أو لاحقًا لإنشائه، وذلك حيث يستوعب الرسالة المعاصر للأثر في إطار ثقافة عصره وما به من أحداث ويسهل عليه الربط بين مضمونها وأحداث العصر الذي يعيش فيه، أما المُستقبِل لهذه الرسالة في عصور لاحقة فإنه يقرأها ويفسرها ويفهمها في إطار تاريخ الأثر، وتاريخ منشئه ووظائفه التي يؤديها، ويسترجع في إطار معرفته التاريخ ظروف العصر الذي أنشئ فيه الأثر.
وتطبيقًا لهذا التوجه الجديد تتناول هذه الدراسة النقوش الكتابية علي الآثار المعمارية في القاهرة في عهد أسرة قلاوون (678-784هـ/1279-1382م): دراسة آثارية بصرية، وهي دراسة آثارية في المقام الأول تتناول دراسة الشكل والمضمون للنقش الكتابي في إطار الرؤية البصرية، والتي تتعلق بتحقيق الوسائل المختلفة لإبراز النقش ووضوحه والتوجيه البصري إليه بالوسائل المختلفة، ومن ثم سهولة قراءته وإدراك رسالته المقصود إرسالها من المرسل إلى المُستقبِل، وجاء اختيار النقوش الكتابية على الآثار المعمارية بصفة خاصة لما لهذه المنشآت المعمارية من دور مهم في إطار سياسة العصر المملوكي، واستغلال هذه المنشآت لإرسال رسائلهم إلى العامة والخاصة، كون هذه المنشآت تعد وسيلة إعلام وإعلان مهمة ثابتة على مر الأزمان، وتبقي على ما تحمله من رسائل للمعاصر واللاحق لهذه المنشأة، هذا بالإضافة إلى ارتباط هذه النقوش بالمنشآت المعمارية التي تحملها فهي توثق نصوص إنشائها وتجديدها وتتضمن نصوصها إعلام وإعلان بوظائفها المختلفة، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتضمنه النقش الكتابي من معلومات أخرى في إطار الرؤية البصرية له، هذا بالإضافة إلى ما أظهرته التنافسية والأحداث السياسية المختلفة في العصر المملوكي البحري من تأثير واضح على حركة البناء والإنشاء بصفة عامة، والمنشآت الدينية بما فيها المنشآت الجنائزية بصفة خاصة، وبذلك فهذه الدراسة تمثل موضوعًا مهمًا لتناول النقوش الكتابية في إطار الربط بين شكلها ومضمونها وقيمها البصرية، وتعد من الأهمية بمكان لما تتسم به من طرح جديد لدراسة النقوش الكتابية في إطار البُعد البصري لها وهو مما يضيف جديدًا للمعرفة بها.
وتتألف هذه الدراسة من جزئين؛ الجزء الأول ويتضمن متن الدراسة بشقيها؛ الأول وهو الدراسة التوثيقية والثاني وهو الدراسة التحليلية، ويتضمن كذلك الأشكال التوضيحية، أما الجزء الثاني فهو يتضمن كتالوج اللوحات والنقوش المفرغة، ويتكون الجزء الأول بالتفصيل من: المقدمة: وقد عرضت فيها الدراسة لاتجاهات ومناهج دراسة النقوش الكتابية الأثرية المختلفة، والإسهاب قليلاً حول الاتجاه محل الدراسة؛ وهو دراسة النقوش الكتابية من وجهة نظر آثارية بصرية، ثم التعريف بالإطار الجغرافي والتاريخي للموضوع وأسباب اختيارهما، وتضمنت كذلك عرض لأهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهداف الدراسة المرجو تحقيقها، والمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة، والخُطة التي تنتظم فيها الدراسة، يليها التمهيد: وعرضت فيه الدراسة للفنون البصرية وماهيتها ونشأتها وتاريخها بشكل عام، وذلك باعتبار الخط العربي أحد أهم أنواع الفنون البصرية.
يلي ذلك الباب الأول: الدراسة الوصفية {التوثيقية} وتتناول فيه الدراسة توثيق النقوش الكتابية في الفترة قيد الدراسة، حيث تم تقسيم هذا الباب إلى ثلاثة فصول؛ وقد اعتمدت الدراسة هذا التقسيم وفقًا لعاملين أساسيين: أولها يتمثل في تقسيم مراحل عمر أسرة قلاوون الثلاث ما بين نشأة وازدهار وانقضاء، ومراعاة الأحداث السياسية الداخلية والخارجية بها، والعامل الثاني يتمثل في توزيع كمية النقوش على هذه الفصول الثلاثة وتناسبها.
الفصل الأول : النقوش الكتابية على الآثار المعمارية في عهد المنصور قلاوون وعهد الأشرف خليل بن قلاوون (678-693هـ/1279-1293م)؛ وتعد هذه الفترة هي فترة تأسيس الأسرة القلاوونية والقضاء على الصليبيين والتتار نهائيًا، وترتيب أمور الدولة وهو ما انعكس على مضمون النقوش الكتابية التي ترجع إليها.
الفصل الثاني: النقوش الكتابية على الآثار المعمارية في عهد الناصر محمد بن قلاوون (693-741هـ/1293-1340م)، ويتضمن النقوش الكتابية في فترات حكم الناصر محمد بن قلاوون الثلاثة، وما بها من أحداث سياسية داخلية حول تنازع الأمراء في فترتي حكم الناصر محمد بن قلاوون الأولي والثانية نظرًا لصغر سنه وقلة خبرته، ثم فترة حكمه الثالثة التي تمثل عهد ازدهار أسرة قلاوون.
الفصل الثالث : النقوش الكتابية على الآثار المعمارية من بداية عهد المنصور سيف الدين أبي بكر وحتى نهاية حكم الأسرة القلاوونية (741-784هـ/1340-1382م )، و تضمن النقوش الكتابية في فترة أبناء وأحفاد الناصر محمد بن قلاوون وهي تمثل فترة ضعف أسرة قلاوون، وانقضاء عصر حكم المماليك البحرية بانقضائها سنة 784هـ/1382م، وبداية حكم المماليك الجراكسة.
ثم يليه الباب الثاني ويتضمن الدراسة التحليلية : وتنتظم فصول الدراسة في هذا الباب في خمسة فصول؛ تم ترتيبها وفقًا لمراحل تنفيذ النقش الكتابي؛ لإبراز النقش ووضوحه في ضوء تحقيق رؤيته بصريًا وهو ما ينتظم عرضه بالشكل التالي:
الفصل الأول : المواد الحاملة للنقوش الكتابية وطرق تنفيذ النقوش عليها؛ وقد تناول هذا الفصل مواد تنفيذ النقوش الكتابية سواء المواد المنفذ عليها النقش، أو المواد المنفذ بها النقش الكتابي، وطرق التنفيذ بما يتوافق مع مراعاة البُعد البصري للنقش الكتابي وتنقسم تلك الطرق إلى: مواد منفذ عليها النقش مباشرة، ومواد يُنفذ بها النقش على مادة حاملة، ومواد تستخدم لإبراز النقش بصريًا.
الفصل الثاني : التشكيلات الهندسية للنقوش الكتابية؛ وهو يعد الحلقة الثانية من حلقات تنفيذ النقش الكتابي بعد توفير المادة التي سينفذ عليها النقش، حيث يتم تحديد الإطار الخارجي الذي يتضمن النقش الكتابي بداخله بما يتناسب مع موضع النقش، وذلك بما يخدم تحقيق الاتجاه البصري للنقش الكتابي ورؤيته، وقد تناول هذا الفصل التشكيلات الهندسية المختلفة للنقوش الكتابية، ثم دور هذه التشكيلات لإبراز النقش بصريًا، كما تناول مراحل تنفيذ النقوش الكتابية وأسس تصميمها.
الفصل الثالث : أنواع الخطوط المنفذة بها النقوش الكتابية؛ يلي اختيار المادة الحاملة للنقش وتحديد الإطار الخارجي للنص و تحديد نمط الخط المستخدم بما يتوافق مع ثقافة القارئ ومعرفته، واختيار أنماط الخطوط التي تساعد على توصيل الرسالة بشكل جيد، وقد اعتمدت نقوش الدراسة على نوعين من أنواع الخط العربي وهما الخط الكوفي وخط الثلث بأنماطهما المختلفة، وقد عرضت لهما الدراسة في إطار التطبيق على نقوش الدراسة وبما يتوافق مع هدف النقش الكتابي وتوصيل رسالة النقش بصريًا.
الفصل الرابع : طرق ووسائل الاتصال البصري؛ يحمل عنوان هذا الفصل المرحلة الرابعة من مراحل توصيل رسالة النقش الكتابي؛ وهي وسائل الإبراز التي اتبعها منفذو النقوش، والتي من شأنها أن تساعد على التوجيه البصري للنقش وجذب الانتباه إليه ومتابعة القارئ له، حيث تعددت هذه الوسائل التي اتبعها منفذو النقوش؛ فمنها ما يتعلق بطرق التنفيذ كالحفر البارز والتلوين وتكرار النصوص، وتحديد بداية النص على الوحدات المعمارية المختلفة وخريطة قراءة النقش وغيرها من الوسائل، وقد عرضت الدراسة في هذا الفصل لماهية الإدراك البصري وكيفية حدوثه بمراحله المختلفة، ثم وسائل الاتصال البصري والتي بلغ عددها في نقوش الدراسة ثلاثة عشر وسيلة اتبعها منفذو النقوش لتوصيل رسالة النص بشكل جيد.
الفصل الخامس : مضمون النقوش الكتابية، يعد توصيل رسالة ومضمون النص وهو الهدف من كتابة النقش ومروره بالمراحل الأربع السابقة، والمقصود بمضمون النص هو الرسالة المقصود توصيلها من المُرسل إلى المُستقبِل، وعلى هذا الأساس تعددت مضامين هذه النصوص باختلاف الرسالة التي يحملها النص ما بين نصوص إنشاء تتضمن في داخلها رسائل سياسية واجتماعية وغيرها، ونصوص دينية تنوعت ما بين آيات قرآنية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بمواضعها، وأحاديث نبوية تتعلق بوظائف المنشآت التي وجدت عليها، وعبارات دعائية وغيرها، ونصوص أدبية ونصوص ذات مضامين صوفية، وأخرى ذات مضامين مذهبية وغيرها مما تناولتها الدراسة في هذا الفصل بشيء من التفصيل، مع عرض لماهية النص الكتابي وأنواعه ووظيفته بالتطبيق على نصوص النقوش الكتابية قيد الدراسة.
يلي هذا الفصل نتائج الدراسة : تناولت فيها النتائج التي توصلت إليها الدراسة في إجمال، ثم التوصيات والمقترحات الناتجة عن الدراسة يلها ملاحق الدراسة، ثم ثبت المصادر والمراجع، والتي كانت عونًا في استكمال هذه الدراسة، وقد تضمن هذا الجزء عدد (323) شكلاً توضيحيًا، و عدد (15) جدول، وعدد (2) خريطة، ثم الجزء الثاني الذي يتضمن كتالوج اللوحات وقد اشتمل على لوحات النقوش لعدد (444) نقشًا من أصل (454) نقشًا - من تصوير الباحث - وهي لوحات كل النقوش تقريبًا عدا بعض النقوش المندثرة التي وثقتها الدراسة وليس لها صور، واشتمل الكتالوج على تفريغ لوحات أكثر من (70) نقشًا – من عمل الباحث - سواء تفريغ لوحات النقش بالكامل أو بعض لوحات النقش حسب ما اقتضت الدراسة.
محمد جمعة محمد, هبة(مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية, 2021)
ما نبنيه اليوم يصبح في القريب تراثاً مؤثراً في حياة الأجيال التالية يستقي منه الخبرات ؛ لذا علينا أن ننتبه لما نبنيه وهل هو مرتبط مع هويتنا وهل هو أحد الخطوات للإنتقال لعمارة المستقبل، وفي سمة من سمات البناء للمساجد وهي ...
يع د المرحوم الدكتور ناصر بن علي الحارثي من الروا د الذين قاموا بتوثيق ودراسة العدي د من
النقوش الكتابية في منطقتي مكة المكرمة والطائف، فق د تنوع ت ابحاثه بين الاثار والفنون
الإسلامية والنقوش الكتابية، كما جاء ت كتاباته ...
عيد عبدالستار سيدأحمد, محمود(مجلة العمارة والفنون والعلوم الانسانية, 2022)
يتعرض هذا البحث لدراسة ونشر لكتابات ستة دنانير عباسية ترجع إلى عهد الخليفة هارون الرشيد (170- 193هـ/ 786- 809م) محفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة لم يسبق نشرها أو دراستها من قبل، وهي:
1- دينار ضرب سنة (172هـ)، يحمل اسم ...