الخلاصة:
تقتضى دراسة موضوع الهيئة العامة لشواهد القبور الإسلامية وتراكيبها أن نشرح مسبقاً مجموعة من القضايا المتعلقة بالموضوع حتى تمهد له وتوضح جوانبه ، وهى مسميات القبور والأضرحة وما يتصل بها ، وموقف الفقه الإسلامى من البناء على القبور ، وتعريف شاهد القبر وتركيبته والعلاقة بينهما ، وتاريخ استخدام شواهد القبور الاسلامية وتراكيبها ، والمناهج العلمية فى دراسة شواهد القبور الإسلامية وتراكيبها ، أما عن مسميات القبور والأضرحة وما يتصل بها من مترادفات ومصطلحات فهى من الكثرة لدرجة تزيد على الثلاثين مصطلحاً ( ) ، الأمر الذى استوجب عمل ملحق لها بنهاية هذه الدراسة .
موقف الفقه الإسلامى من البناء على القبور:-
سبحان من تفرد بالبقاء بلا نهاية ، سبحان من جعل الأرحام تدفع والمقابر تبلع سبحان الله الباقى الدائم الوارث الذى كتب على كل خلقه الفناء ، فالبشرية كلها توقن تمام اليقين بحتمية الموت ، كما أنها فى معظمها تؤمن بقضية البعث بعد الموت ، ولذلك اهتمت بتكريم الموتى ودفنهم وتخليد ذكراهم ، وموقف الفقه الإسلامى من البناء على القبور تعددت الآراء بشأنه تعدداً كبيراً ، وهى تختلف ما بين التحريم ، والكراهية ، والإباحة ، وذلك على تفصيل فى حكم بناء القبر ذاته وحكم البناء على القبر كالآتى:-
ورد فى القرآن الكريم فى الآية الحادية والعشرين من سورة الكهف ، قوله تعالى :- " وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم ، قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا " صدق الله العظيم ، يدل السياق على أن الآية الكريمة طرحت قول المشركين وقول الموحدين دون استنكار ، فالموحدون قالوا لنتخذن عليهم مسجدا ، ولو كان فى القولين باطل لأشارت له الآية ، وربما قيل بشأن هذه الآية أنها تخص شرع من قبلنا ، فالأمر غير محسوم فى القرآن الكريم بشكل قاطع بشأن البناء على القبور.
أما بناء اللحد أو القبر نفسه ودفن المسلم فيه ومواراة بدنه فيه ، فقد أجمع فقهاء المسلمين على فرضية ذلك الأمر لقوله تعالى فى الآيتين ( 25 ، 26 ) من سورة المرسلات :- " ألم نجعل الأرض كفاتا ، أحياء وأمواتا " فمواراة الميت حفرة سيعمل على حجب رائحته ، ويمنع السباع والطيور عنه.( )
لكنهم اختلفوا فى هيئة القبر أو اللحد، ومادة بنائه ، وما يعلوه من شواهد وتراكيب ، وزخارف وكتابات ، مما تفصله الأحاديث النبوية الآتية:-
ورد فى صحيح مسلم فى باب اللحد ونصب اللبن على الميت ما يلى:- قال سعد بن أبى وقاص فى مرضه الذى هلك فيه:- إلحدوا لى لحداً ، وانصبوا علىّ اللبن ، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه استحباب اللحد ونصب اللبن ، واتفق الصحابة رضى الله عنهم على ذلك الفعل ، وقد نقلوا أن عدد لبنات قبره صلى الله عليه وسلم تسع .
واللحد هو الدفن الفردى أى يحفر لكل فرد لحد خاص به يدفن فيه بمفرده على العكس من الفسقية وهى حجرة دفن فى باطن الأرض يدفن فيها على فترات متتابعة بحيث تفتح وتغلق فى كل دفنه ، وقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله:- " اللحد لنا ، والشق لغيرنا " وهو ما يفضل معه اللحد".
وورد فى صحيح البخارى هذا الحديث:- " حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبى صلى الله عليه وسلم مسنما " ( ) فمن السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ، ليعرف أنه قبر فيصان ولا يهان ، ويزار ولا يهجر ، أما الحديث ( المنكر) " خير القبور الدوارس " فلا أصل له فى كتب السنة ، لأنه ينبغى أن يظل القبر ظاهراً مرفوعاً عن الأرض قدر شبر ، واختلف الفقهاء فى ارتفاع القبر وتسنيمه وتسطيحه ، فمذهب الشافعى ومن وافقه أن يرفع نحو شبر ويسطح ، لكن الثلاثة ( أبو حنيفة ومالك وأحمد) قالوا التسنيم أولى ، لأن التسطيح صار من شعائر الشيعة.