xmlui.dri2xhtml.METS-1.0.item-abstract:
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه
وبعد...
لقد فطر الله تعالى الإنسان على العمل الخيرى، بمفهومه العام والكامل الشامل فى الحياة ومن ثم فإن العمل الخيرى من الأصول، التى يعيش الإنسان من خلالها على الأرض، لم يقتصر على إنسان دون آخر، بل ويتناول كل شيء يتعلق بحياة الإنسان.
قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾( ).
ومن ثم الجدير بالذكر: أن الله تعالى منذ أن خلق آدم ، أوجب على الإنسان عمل الخير ونهى عن الإفساد فى الأرض؛ فإن الرسالات السماوية تحث على عمل الخير، وقد اعتبرته ركنًا وأساسًا لتحقيق السلام والأمن بين البشر؛ ولتحقيق التلاحم والإنتماء والحب والإخاء بين الناس.
وعلى ذلك فإن الإسلام فى جوهره أن الخير هو: القول والعمل به، الذى يرتكز على أصول وقواعد راسخة من الإيمان بالله تعالى، واليوم الآخر، وإن أركان الإسلام، والذى تأسس عليها الإيمان الصحيح: العقيدة، والشريعة، والأخلاق.
ومن ثم فإن عمل المسلم الخيرى فى حياته كلها، يدور فى دائرة واحدة، وهو من الخير المنوط به فى الشريعة الإسلامية، والذى يثمر أمورًا فى غاية البساطة، عظيمة الأثر فى فعل الخيرات على الإنسان: من الإبتسامة فى وجه الآخر، وإماطة الأذى عن الطريق .. وتتدرج إلى الشهادة فى سبيل الله تعالى.
فهى منظومة مجتمعية شاملة تبدأ من الفرد فى نفسه، إلى أسرته ثم لمجتمعه ... إلى كل ما يتعلق بحياة الإنسان على الأرض، والتى يثمر منها العظيم من الخيرات: منها الإنتماء للقيم والمبادئ الإسلامية، والإنتماء للأسرة، والمجتمع، والوطن، والأرض، وحب الحياة والعمل.
قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾( )
وعلى ذلك فإن هذا الأصل فى الإسلام، والذى هو مبنى على أركانه هو عمل الخيرات ومن ثم نجد فى القرآن الكريم، فى آياته الكريمة: الربط بين العقيدة والشريعة فى عمل الخير.
وبين إكتساب العلم وعمل الخير، وبين القيم الإسلامية العظيمة وعمل الخير، وبين الأسرة وعمل الخير، وكل المخلوقات والإصلاح فى الأرض وعمل الخير.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾( ) وقال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾( ) وقال تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾( )
ولقد حث على العمل الخيرى، فكان النبراس لنا والمثل الأعلى فى أعمال الخير.
من الإبتسامة، إلى الكلمة، إلى الصدقات .. لم يترك من الخير إلَّا وحث عليه من ذلك: قال : (على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف ويمسك عن الشر، فإنها له صدقة) ( ).
ويتبين من حديثه : أن الصدقة لأى إنسان، طالما أن له حاجة.
وعن أبى ذر الغفارى ، قال : (تبسمك فى وجه أخيك صدقة) ( ).
وقال : (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله) ( ).
وعلى ذلك فإن العمل الخيرى واجب على كل مسلم، ومسلمة، فهل يعجز الإنسان المسلم عن الإبتسامة!! أو الكلمة الطيبة!!.
وعلى هذا فما أشد حاجتنا إلى البحث، والدراسة، والتحليل لواقع الأحداث العامة للعالم العربى والإسلامى، فلا يرتاب راصد للحركة الفكرية، والثقافية بين الماضى .. والحاضر والواقع المرير أن أمتنا الإسلامية تعانى من ترد وهبوط فى الفكر والسلوك، والثقافة الإسلامية، فى قضاياها الفكرية، ولإنهيار فى قيمها وثقافتها الإسلامية، وفى غربتها عن أصول وقواعد الخير والإصلاح والصلاح.
وهذا كما سيتبين يرجع إلى فيروس الجهل والأمية، الذى اخترق جسم الأمة لحقيقة الإسلام وجوهره، وفهمه والعمل الصحيح به.
وربما يعود هذا التردى والضعف لعدو لا ينقصه الذكاء، أو المهارة فى بث كيده وسمومه الفكرية، فى تغريب المسلمين عن دينهم.
وكذلك فى عمله على تشويه وتحريف التراث الفكرى للحضارة الإسلامية، وقد أدى به إلى تجنيد كثير من جهلة المسلمين، الذين ينتسوب له فقط، ممن اعتلوا مناصب إعلامية، وأخرى دعوية فاسدة فى السيطرة على فكر الكثير من شباب المسلمين، ممن لا علم لهم بأصول دينهم، فقد نجحوا فى تشتيت العامة من الناس، وتغريب الكثير منهم عن القيم والأخلاق الإسلامية؛ إما إلى تفريط بعلمانية وفقدان الهوية الإسلامية، وإما إلى إفراط وتطرف وغلو وجهل وتخريب وتدمير بإسم الدين، فقد تردوا إلى هوية شيطانية فاسدة، وكلاهما من أشد تيارات التغريب، ومن المؤسف أنهما فى ترد خطير مؤسف، وكثرة تزداد مع معاناة الشعوب وقضاياها المختلفة.
وكما سيتضح أنه يجب على الجمعيات الخيرية، ومؤسسات الدول المنوطة بالعمل والإصلاح، أن يكون لديهم ثقافة العمل الخيرى، والفقه الصحيح له، والوعى بحقيقة حياة الشعوب، ومعاناتهم، ليتبين الداء والعلاج.
فلا إصلاح للحياة الإقتصادية، ولا الإجتماعية إلَّا برجوعهم إلى الأسباب للفساد الفكرى والثقافى، والسلوكى.
وأخيرًا من الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية لا تقصر فى مد آيادى الخير والعون للعالم الإسلامى كله، والإنسانى، فهى بحق المركز لذلك فى العالم الإسلامى، وإن إختيارها لموضوع العمل الخيرى الشاهد، لتجمع العالم الإسلامى على كلمة سواء، للرجوع إلى ما كانت عليه الحضارة الإسلامية.