الخلاصة:
الحمد لله رب العالمين اللهم صلِّ وسلم وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله وصحبه
قال تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا( )
من الجدير بالذكر أن حقوق الإنسان في الإسلام: هي واجبة منه، كما هي واجبة له، في الواقع أن مفهومها الصحيح والشامل والكامل أكبر وأعظم من تصور وتحديد الإنسان لها، حتى في إطلاقه لكلمة الحقوق.
فهي سلسلة متصلة الحلقات، تشمل كل حياة الإنسان بمتعلقاتها، ما يخصه وما يخص غيره من بني جنسه، وكذلك كل المخلوقات، من حيوان، ونبات، وجماد.
كما هي تحقق حكمة الخلق، والمعاد، والحياة، والموت، أي أن العمل الصحيح للحقوق: عقيدة – وشريعة – والقيم والأصول الأخلاقية ... كل ذلك يحقق للإنسان الاستقامة، والأمن والسلام النفسي.
ولذلك فإن الحقوق الإسلامية هي التكريم له، وبها يحقق الإنسان كل النعيم والسعادة.
ومن ثم فإن في الإسلام لا فرق بين أن أحصل على حقوقي من غيري، أو أن أفعل تلك الحقوق فالعمل الواجب له نية، وإرادة، وغاية: كل ذلك لأن عمل المسلم العارف بالله تعالى هو لله تعالى في كل شيء؛ فالواجب على المسلم أن يفعل تلك الحقوق، حتى ولو لم يأخذ كل مايجب له من حقوق.
ويتوكل على الله تعالى؛ ولذلك فإن انتشار الفساد يرجع إلى البعد عن العمل بتلك الحقوق لقوله تعالى :ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( )
ومن ثم يجب التنبه إذا انفصلت حلقة من سلسلة تلك الحقوق، أثرت على غيرها، فتتبعتها بقية الحلقات سقوطا؛ لأن أي ضعف وقصور في عمل ما وجب في أحدها يؤثر على الأقرب منها، فالأقرب ... وهكذا.
ولذلك فالواقع الذي نعيشه، يدل على أن الإنسان وحده لا يستطيع تحديد كل الحقوق التي تحقق له الأمن والسلام، والحياة المستقيمة:
أولا: لأنه لا يستطيع، ولا يعرف أن يحيط بكل تلك الحقوق، وما يحقق له حياة صحيحة كاملة وشاملة الحياة كلها بما فيها.
ثانيا: أن نظرة الإنسان دائما هي بالأنانية على الدوام، وللأقرب له من الناس، الذي يحقق له تلك الغاية من حصوله على تلك الحقوق أكبر حق له؛ من ثم نجد الكثير من الناس تعيش في صراع وحروب... وفساد، وربما تموت عليه؛ لأنها لم تبصر حكمة الشارع الحكيم في تكريم الإنسان بتلك الحقوق.
فالعمل الصحيح بها يحقق الأمن والسلام النفسي، كما أيضا يحقق السلام والحياة الصحيحة في المجتمعات الإنسانية.
ولذلك هي واجبة الوجوب العيني، ولازمة للإنسان في أنفاسه، في العلن والخفاء، بنية واحدة وإرادة وفعل وعمل هو لله رب العالمين سبحانه وتعالى.
إذن من الجدير بالذكر: أن الحقوق الإسلامية هي الميزان الصحيح للحياة الصحيحة وهي الاعتدال والوسطية، والصراط المستقيم.. هكذا عاش الحبيب المصطفى وعلى هذا النهج عمل آل بيته وصحابته، والسلف الصالح، فقد نبضت قلوبهم وقوالبهم بالحقوق الإسلامية؛ ومن ثم استطاعوا بقيمهم وأنوارهم الربانية إخراج الناس، من الظلمات إلى نور الحياة الصحيحة بالسلام والأمن النفسي والروحي.
وكان من أنوار هذه الحياة في خير العصور على الأرض: رسالة الحقوق للإمام العارف بالله تعالى "على زين العابدين" المستقاه من الكتاب والسنة النبوية الشريفة، ومن واقع ثمرات أنوار عمله الصادق، ومن بيت النبوة جمع الحقوق الإسلامية الكاملة، والشاملة في صفحات معدودات، بكلام بليغ جامع مانع، لم يترك للإنسان من التكريم في تلك الحقوق، سواء كانت له أو عليه، إلاَّ وفصّلها تفصيلا، في حركاته وسكناته، وما يتعلق بها، وقد ذكر كل ذلك من الواقع العملى من أنواره ، ومن علوم حفظها من الكتاب والسنة .
فما أحوجنا إلى تلك العلوم والأنوار من إمامنا "زين العابدين" في عصرنا، الذي نعاني فيه من غربة القيم والأخلاق الإسلامية، ومن الشتات والتفرق في أمتنا الإسلامية، ومن المهم قبل هذا العرض أن أتناول:
أولا: النظرة الإسلامية للإنسان، وما له من تكريم، وحقوق، بإيجاز أتناول من لائحة الحقوق للأمم المتحدة في مفهومهم الحسي والمادي للحياة وما أدى ذلك إلى فساد في الأرض وصراعات وحروب.
ثانيا: العرض والتحليل لعظمة الحقوق الإسلامية، في نموذج الإمام "على زين العابدين" على حسب المتاح والمتيسر. يوضح ذلك التالى وعلى الله