الخلاصة:
يُعد العطر والطيب من متع النفس والروح؛ فالعطر إسم عام لكافة أنواع الطيب، ولقد كان للعطر مكانة خاصة في نفوس المسلمين، ولقد ذكر رسول الله - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- العطر والطيب في أكثر من موضع، ومنها على سبيل المثال -لا الحصر- ما رواه أنس بن مالك وحسنه الألباني وأخرجه النسائي في "صحيح النسائي" أن رسول الله (صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم) قال:"حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكمُ النِّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ" ، كما روى أبو سعيد الخدري وحسنه الألباني وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أن رسول الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) حينما سُئِلَ عن المِسكِ؟ فقالَ:"هوَ أطيَبُ طيبِكُم" ، وفي الحديثين الصحيحين إشارة واضحة إلى الحث على التطيب بالعطور والروائح الطيبة الذكية. ولقد تم استخدام الطيب والعطور خلال العصور الإسلامية إقتداءًا بحب رسول الله (صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم) للعطر والطيب وتنفيذاً لحثه الدائم على التطيب، ومن ثَّم فقد إنتشرت صناعة المباخر خلال العصور الإسلامية المتعاقبة، فضلاً عن وجود الفواحات التي تُعبر عن تقنية صناعة أكثر تطوراً خلال عصر أسرة محمد علي بمصر، ولقد تم إستخدام العديد من المعادن النفيسة والأحجار الكريمة في صناعة تلك النوعية من الفواحات. وتهدف هذه الورقة البحثية إلى إلقاء الضوء على فواحتين عطريتين غير منشورتين من قبل، وهاتان الفواحتان مصنوعتان من الذهب المرصع بالألماس، وهما محفوظتان بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة- مصر وتحملان الأرقام MIA No. 12547- 13465/1, 2))، وذلك وفقاً لسجلات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، كما إنهما تؤرخان بالقرن الثالث عشر الهجرى- التاسع عشر الميلادي، وتجدر الإشارة إلى أن تلك الفواحات تندرج ضمن أحد أنواع التحف والمقتنيات الفنية التي شاع إستخدامها خلال القرن التاسع عشر الميلادي، والتي سيتم تناولها من خلال دراسة أثرية فنية ونشر لأول مرة. ولقد لوحظ أن الفواحات العطرية كانت امتداداً لنوعية التحف التى ظهرت وسادت خلال العصور الإسلامية؛ حيث تُعتبر الفواحات بمثابة تطور لشكل وغرض المباخر فى العصور الإسلامية، وتجدر الإشارة إلى أن سبب وجود هذه النوعية من التحف الفنية قد يرجع إلى أهمية الطيب والتطيب والعطور عند المسلمين بصفةٍ عامةٍ. ولقد تميزت الفواحات خلال القرن التاسع عشر الميلادي بجمالها وصغر حجمها، كما تم زخرفتها بالزخارف النباتية الدقيقة، فضلاً عن ترصيعها بالمعادن النفيسة والأحجار الكريمة كما لوحظ فى الفواحتين العطريتين موضوع الدراسة.
ولقد تم تقسيم الدراسة إلى قسمين؛ القسم الأول: يتناول الدراسة الوصفية التى تتضمن أبعاد الفواحتين العطريتين ومواد صناعتهما، وكذلك طرق الصناعة، فضلاً عن مكان حفظ التحف وحالتها فى الوقت الراهن، والسعي لوضع تأريخ دقيق للفواحتين العطريتين، وكذلك إبراز أنواع الزخارف التى ظهرت على التحف ودلالة ألوانها. أما القسم الثانى: فيتناول الدراسة التحليلية التي إشتملت على إجراء تحليل الفواحتين العطريتين غير المنشورتين-موضوع الدراسة- والتطرق إلى دراسة فواحة أخرى فضية ترجع لنفس الفترة الزمنية بمصر، فضلاً عن توضيح مدى العلاقة مع بعض المباخر المملوكية وذلك نظراً لمُلاحظة التشابه بينهم من حيث الغرض الوظيفى المُتمثل في نشر العطر والطيب فى أرجاء المكان سواء أكان فى الجامع أو البيت أو القصر، ولقد تم إجراء الدراسة التحليلية من خلال تناول الملامح والشكل العام، الزخارف المُنفذة، مواد وطرق الصناعة، وأيضاً من حيث الغرض الوظيفى، وذلك لإمكانية التعرف على مدى التشابه والإختلاف الكامن في عملية صناعة المباخر خلال العصور الإسلامية، ومن ثَّم إبراز مدى تقنية صناعة الفواحات خلال عصر الأسرة العلوية بمصر.