الخلاصة:
ظهر النحت التجريدى لأن رواده الأوائل رأوا أن النحت التمثيلى قد أفلس بسبب الملل ، و بدافع قوى و عام تحول النحاتون إلى النحت التجريدى كنشاط جمالى خالص و تخلوا عن تقليد المظهر الطبيعى تماماً ، فظهرت الأشكال الجامدة التى تفتقر إلى الإنسيابية و الحيوية ، و بمرور الوقت فقدت المزاعم القديمة للنحت التجريدى القوة الأصلية لقناعات الرواد المتمردين ، الذين أيدوا ذات مرة هذا الفن كهدف منطقى لتاريخ الأشكال بأكمله ، و دحضوا أنفسهم بالعودة إلى الأشكال الطبيعية غير النقية ، و اعتمد النحاتون بعد ذلك على إدراك نظام الطبيعة الأساسى كشكل خالص بدون محتوى ، فكانت التجريدية العضوية فى النحت هى النتيجة المنطقية و الحتمية لتطور هذا الفن و أصبحت القيم الجمالية و التعبيرية للتجريد بحد ذاتها تكمن فى الجوهر لا فى المظهر و تسير على نهج يسعى إلى ترجمة الأشكال الموجودة فى الطبيعة إلى قطع فنية فريدة تحمل حيوية الطبيعة و جوهرها النابض ، و تحول الإلهام من العلم و التكنولوجيا و جمالية البلاستيك و المعدن إلى الإلهام الموجود فى الطبيعة و سعى النحاتون الذين اعتنقوا فلسفة التجريدية العضوية إلى ترجمة مبادئ الشكل الطبيعى إلى مجسمات نحتية و توجيه مظهر الأشياء المجردة نحو العضوية و محاكاة تدفق الطبيعة ، و يلخص هذا النهج نجاح بعض التصاميم المعمارية التى اتخذت من آليات التجريدية العضوية فى النحت مرجعاً أساسياً لصياغة القيم الجمالية و التعبيرية للأشكال المعمارية المعاصرة ، فبدت العمارة كأنها منحوتات عضوية مجردة فى فراغاتها الحضرية ، و عليه فإن تفعيل مبادئ التجريدية العضوية فى النحت فى عملية التصميم المعمارى يمكنه تغيير وجه العمارة المحلية المعاصرة نحو عمارة أكثر حياة و انفعالاً بجوهر الطبيعة إذا انتهج المعماريون المحليون منهجاً أكثر انفتاحاً على ثقافات الفنون الأخرى