xmlui.dri2xhtml.METS-1.0.item-abstract:
في عصر تغلبه سيطرة التقنيات الحديثة المؤدّية لسرعة مسار الحياة اليوميّة، ما عاد الأستاذ الجامعي الباحث قادرا على الاكتفاء بالدروس الماجستراليّة التي تجعل علاقته بطلبته عموديّة وجافّة، مقتصرة على الشروع في إيصال المعلومة المكوّنة للرّسم البرمجيّ لمختلف المواد المدرّسة، دون ادلاء أدنى اهتمام لحيثيّات تقبّل الدّرس من طرف طلبته: فالأستاذ، في مثل هذه المنجهيّة، ليس فقط مقلّلا من نسبة حفظ المعلومة لدى المتلقّي، والتي لا تتجاوز الـ 5 بالمائة من جملة الدّرس الملقى على الطّلبة (Lalley and Miller 2007)، بل إنّه يتجاوز هذا النّقص في نسبة الإيصال، ليغمر قاعة الدّرس بجمود وبرودة أجواء، تحول دون تفاعل الطّلبة مع المحاضرة، بل وتقودهم نحو فقدان التّركيز في الدّرس وانتظار توقيت الخروج من القاعة، لاجئين لملئ الوقت باستخدام الهواتف الذّكيّة والاطّلاع على تحيينات المواقع الاجتماعيّة.
ماذا لو تمّ تعويض الدّروس الماجستراليّة العموديّة، بديداكتيكيّات أفقيّة بين الأستاذ وطلبته؟ ماذا إن صار الطّلبة نفسهم هم من يقومون بالبحث واعداد الدّرس والقاء المحاضرة وتحكيم مدى إيصال المعلومة تحت اشراف استاذهم؟ وماذا لو صار سير الدّروس تفاعليّا، مبنيّا على استخدام الهواتف الذّكيّة المرتبطة بالشّبكة العنكبوتيّة كوسيلة القيام ببحوث عوضا عن اللّجوء لها كمفرّ من رتابة دروس ماجستراليّة عموديّة؟ والأهمّ من كلّ هذه الاستفهامات: ماذا لو تجاوزت أهداف تدريس مادّة، إيصال المعلومة المدرجة فيها، لتصبح الدّروس التّفاعليّة وسيلة لزرع الثّقة في نفوس الطّلبة، وحثّهم على الأعمال التّشاركيّة وروح التّبادل والاتّحاد؟ وأخيرا، وليس آخرا، ماذا ان صار التّدريس التّفاعليّ للمواد، بمثابة حلقة تدريبيّة يصبح الطّالب إثرها قادرا على اجراء بحوث وتقديم مناقشات دون أدنى ارتباك أو توتّر؟ أوليس بتحوّل في منهجيّة التّدريس من تعليميّة عموديّة سلبيّة الى وسيلة تشاركيّة تفاعليّة تزرع في الطّلبة ثقتهم بأنفسهم وتفتح آفاق أفكارهم نحو الخلق والابداع، لتصير بذلك، علاقة الأستاذ بطلبته، ذات طابع اجتماعيّ عميق يكسوه زرع الثّقة في النّفس وروح تبادل الأفكار والمشاركة؟
سنحاول الإجابة عن جلّ هذه الأسئلة من خلال ورقتنا البحثيّة الموسومة بعنوان: أنثروبولوجيا وتطوّرات الدّيدكتيكيات: من بثّ الثقة في النّفس والروح التّشاركيّة إلى القدرة على الخلق والإبداع، وذلك عبر عرضنا لعديد المحطات التاريخيّة من تطوّر مناهج التّدريس، بالإضافة إلى الاستناد الى استشهادات من تجربتنا الاكاديمية الخاصّة، والمؤكِّدة لصحّة رؤيانا للمنهجيّة التّشاركيّة.