xmlui.dri2xhtml.METS-1.0.item-abstract:
إن من أبرز وأهم المدن التي أسست في العراق لأسباب إدارية وعسكرية مدينة واسط وهي كذلك من أولى المدن التي بنيت وأسست في العهد الأموي لتكون مستقرة لوالي العراق الحجاج، فلم يكن يأمن البصرة أو الكوفة أو الإقامة فيهما ، فيني مدينة واسط حتى تكون مقرا لحكمه معسكرا لجنده الشاميين ، بعد أن أنهكته حروب وثورات العراق على حكم الأمويين ، ومن هذا فقد بنيت واسط على ضفاف نجله وقد أستغرق العمل فيها من سنة 78ه حتى سنة 86ه ويبدو أن عوامل تأسيسها كانت سببا أخر من أسباب شكلها المدور والذي يعد الأول في بناء أول مدينة في العصور الإسلامية بهذا الشكل والتي سبقت مدينة المنصور (بغداد المنورة) بعقود من الزمن ، ويبدو أن الحجاج تأثر بما شاهده أو سمعه عن مدن بلاد فارس او الروم البيزنطينيين والتي أخذت شكل البناء المدور والذي يمثل الشكل الأنسب للمدن العسكرية أو التي أنشئت للاغرض العسكرية بالدرجة الأساس ، وهكذا ولأجل أن تكون مدينة واسط محصنة ضد كل طارئ لم يغفل مؤسسها وجود نهر دجلة فجعل المدينة شطرين يقسمها دجلة ويزودهما بما تحتاجه من مياه الشرب والسقي وجعل شكلها المدور على شطرين يربط بينهما جسور للتنقل والدفاع وقد أخذ بنظر الاعتبار إمكانية فصل هذه الجسور في حال سقطت احدى شطري المدينة فيبقى الشطر الآخر محمية بالمياه وبالأسوار .
كما أن المدينة كانت غاية في الجمال والروعة . رغم أنها أنشأت كما قلنا لأسباب عسكرية وهو ما دفع ابن بطوطة الرحالة الشهير لذكرها بأنها مدينة حسنة الأقطار كثيرة البساتين والأشجار" . مضافا إلى الأسوار والخنادق والتحصينات التي بنيت حول المدينة ، ولم ينسى مؤسسها أن يجعلها مدينة ذات نماذج معمارية وإسلامية متطورة يتوسطها القصر (قصر الحجاج) ومنارتها المرتفعة نحو احدي عشر مترا ومسجدها الكبير .
لعبت واسط أدوارا عدة كونها جمعت بين الجوانب الإدارية والسياسية والعسكرية ، وأن ما دفعنا لاختيار مدينة واسط هو أهمية تلك المدينة ، فقد أوعز بعض الباحثين استقرار الحالة السياسية في العراق إلى بناء تلك المدينة ، ومن جهة أخرى أن أسباب بناء مدينة واسط كان يختلف في مجمله عن أسباب بناء المدينتين الأخريتين البصرة والكوفة ، وتمثل ذلك الاختلاف في طريقة بنائها ، كونها مدينة محصنة بالصور أو السورين كما يذكر بعض المؤرخين ، والخندق أو الخندقين كما ذكر البعض ، فالعرب لم يكن يهمهم بناء مدن محصنة لأنهم كانوا
على الدوام في حالة قتال وجهاد ومهاجمة ولعلنا لا نغالي إذ نقول أن بناء مدينة واسط في العراق كان بداية للتفكير في بناء مدن محصنة يكون غرضها إداريا ويجمع إلى ذلك الحصانة والميزة العسكرية إلى جانب كونها ضمن جوانب أخرى تطرق لها هذا البحث .
ولقد بقيت واسط حتى بعد وفاة مؤسسها الحجاج تؤدي أغراضه مهمة وبقيت حصانتها حتى عشرات السنين وتطورت من مدينة إدارية إلى مدينة ضمت بطياتها عوامل أخرى كالتجارة والزراعة ولم تضمحل أو ينتهي دورها ، وهو ما يدلل على أهمية موقعها ودقة وصحة الاختيار. لقد اقتضت الدراسة تقسيمها إلى ثلاثة محاور المحور الأول يتضمن الموقع والنشأة لمدينة واسط أما المحور الثاني فقد سلطنا الضوء على تخطيط المدينة وخططها وابرز واهم وسائل الدفاع والتحصينات فيها ، أما المحور الثالث فقد ركز على عامل اختيار المدينة وأهميتها وبقائها فترة طويلة من الزمن وصمودها بوجه العباسيين بعد نهاية الخلافة الأموية .