xmlui.dri2xhtml.METS-1.0.item-abstract:
عرفت الأمة العربية بتاريخها الحضاري العظيم الذي نشأ في ظل الإسلام، هذا الدين الذي انتشل الإنسانية من الظلمات إلى النور، حيث قدر لها أن تكون قاعدة الانطلاق نحو الحضارة الإنسانية التي شملت العالم أجمع يبين حديث الرسول ص: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) أن القاعدة الحضارية كان لها أساس متين في هذه الأمة وإنما جاء الرسول ص ليرفعها، كما يؤكد الرسول ص في قوله:( أدبني ربي فأحسن تأديبي) هذا الجانب الحضاري، وإليهما استند الصحابة والسلف الصالح في مد الحضارة الإنسانية خارج الجزيرة.
والملاحظ أن الرسول ص كان دائم التذكير قولا وفعلا لهذا الجانب وما ذكر مآثر عنترة وحاتم الطائي إلا دليل على ذلك، والعكس عندما تنبأ لأمير الشعراء امرؤ القيس بحمل لواء الشعراء إلى النار لأسباب نعرفها جميعا.
وفي الواقع كان حسن الخلق هو السلاح الأول للدعوة بل والأكثر فاعلية من سلاح القوة ، وتعد إندونيسيا وماليزيا من أكبر الدول الإسلامية دخلت الإسلام دون سلاح تأثرا بأخلاق المسلمين، وقد امتد هذا التأثير ليشمل أصقاع العالم حتى وصل إلى الصين على أيدي التجار المسلمين الذين نشروا ثقافة الأمانة في التجارة وكانوا خير مثال لها وعندما تعتمد أمة هذه الأسس في نشر عقيدتها فإنها۔ ولاشك أمة عريقة ومبدئية تتميز بالأصالة والعراقة في جميع جوانبها، ولعل الإرث الحضاري الرائع والفريد الذي تركته يؤكد ذلك، فلا سبيل إلا أن نقف بإجلال واحترام أمامه وأن نعي أنهارتنا الجميل الرائع الذي يجب أن نحافظ عليه وننشره من جديد لننيه أجيالنا إليه وإلى إرث الأجداد الذي أدهش العالم ومايزال، فهي تجسد مدى رقي العقلية العربية الإسلامية ودقتها وعلميتها رغم أنها ظهرت في عصور تميزت بمحدوديتها التقنية، وهنا تبرز جوانب عقدية أخرى اتصفت بها تلك الحضارة إلا وهي الدقة والإتقان فنحن أمة الإتقان الذي أكد عليه الكتاب وأكدته السنة، لهذا لاتزال تلك الآثار شاخصة وقائمة بشموخ لأنها بنيت بإخلاص وهمة وعزيمة ومسؤولية ساهمت في بناء الحضارة الحديثة لاسيما الغربية التي اعتمدت على الفكر العربي في جميع مجالاتها وكانت المخطوطات العربية والإسلامية سندها في ذلك، وحري بنا - مثقفين وأكاديمين - أن تنبه أبناءنا الذين انسلخوا عن تاريخهم إلى كل ذلك من خلال المناهج والمحاضرات والمعارض والمؤتمرات وأن لايقتصر ذلك على قسم التاريخ وإنما كل التخصاصات التي يمكن أن تستغل لإحياء حضارتنا، وليس ذلك فحسب فإحياء التاريخ والحضارة وقاء لإجدادنا العظماء واستذكارهما عمل يؤجر عليه المرء.
لقد قدر الله للمسلمين أن ينطلقوا إلى العالم لبناء أكبر حضارتين انسانيتين عرفتهما البشرية ، لتجسد الجانب المادي لفكرهم، انطلقت الأولى من بغداد عاصمة العباسيين حيث العصر الذهبي للعلم والحضارة، والثانية من بلاد المغرب التي كانت تنافس المشرق العربي في العلم والعلماء بل لتفوقها في ذلك، والمعروف أن الحضارة الأندلسية التي استمرت 8 قرون أي أكثر من نصف التاريخ الإسلامي كانت قبلة طلاب العلم في أوربا، ورسالة ملك أنكلترا إلى عبد الرحمن الناصر دليل على ذلك، وبينهما كانت مصر موئل الحضارات التي لا تزال عصية في عقليتها الفذة أمام تقنيات العالم الغربي والذي وقف عاجزا عن سبر أغوارها وهي لاتزال عصية على أعدائها كما كانت عبر التاريخ مستندة إلى تلك الجذور الإهرامية العريقة التي أثمرت أغصانها ولاتزال عقليات فذة لا نجد لها مثيلا