xmlui.dri2xhtml.METS-1.0.item-abstract:
منذ أن خلق الإنسان وجد نفسه في صراع دائم من أجل البقاء والعيش، فابتدع من الآلات والأدوات ما يكفل له التغلب على هذا الصراع، فاستطاع بفكره وإصراره تخطي وكشف أسرار هذا الكون وتسخيره لخدمته، وحقق بذلك الأمان والطمأنينة، غير أنه كان يشعر بالقصور في تحقيق كل ما تطلبه شؤون الحياة، فطموح الإنسان منذ وجوده في هذا الكون لم يتوقف، فاهتدى إلى الفن الذي يعتبر أحد الضروريات شأنه في ذلك شأن الأكل والشرب واللباس...الخ، فهو ملكة خاصة بالإنسان تميز بها عن عالم الحيوان لامتلاكه عقل يفكر ويخطط ويبدع :
كما أثبت العلماء والفلاسفة الذين تقاطعت دراستهم مع الفن، أنه لا توجد مادة في جميع المواد العلمية تربط الفكــر والإحساس مثل الفن، وحتى التربويين يؤكدون على أهمية دور الفنون في تعليم المواد الأخرى، باعتباره مادة يفرغ فيها الطفل والمتعلم الطاقات والشحنات السلبية، ويؤثر على مجريات الحياة، اعتمد علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا في تفسير ظواهر الحياة في العصور القديمة، بالرجوع الى أصل الأعمال الفنية وتحليلها، مبينين لنا علوم الحضارات وسلوكها وقوانينها عبر البقايا المادية للإنسان الأول ..الخ، وعلى هذا المنهج سار علماء الآثار والحفريات وغيرها من العلوم عند مسائلة التراث والملاحم الشعبية والأسطورة ، إلا من خلال الفن.
لذلك يستمد هذا البحث قوته من أهمية الفكرة العامة للفن واثره على المجتمع الذي يعد بمثابة القاعدة التي يرتكز عليها الوعي الفني والجمالي والثقافة الفنية التي وحدت الانفعالات وطورت الذوق االجمالي للإنسان والبحث عن وظائف اجتماعية موازية لهاته المقاصد، ولا يتأتى ذلك إلا بالتدريب على الأعمال الفنية ذات الدلالات والمعاني التي اعتبرت جزءا من العالم الاجتماعي. بذلك أصبح للفن مكانة مرموقة نظرا لما يقدمه من اعمال فنية ترتقي بالمجتمع وتعالج جوانب من مشاكله: الاجتماعية، السياسية، الثقافية وكذلك النفسية.
سنحاول في هذه الورقة البحثية أن ننحت في بعض كتابات الأوائل عن الفن ودوره الاجتماعي بداية من مهد الحضارات: الحضارة اليونانية، إلى اسهامات بعض من رواد السوسيولوجيا في مجال الفن، مع محاولة لإبراز أهمية الفن ودوره في ترقية السلوك الإنساني.