الخلاصة:
السينما مرآة الشعوب، وأحد الروافد الهامة لإبراز الهوية وسجلاً لحفظ تراث الأمم وتوثيقها، وقد عمدت السينما الفلسطينية إلى إبراز قضية الهوية وحفظ التراث في أفلامها، لا سيما وهم أصحاب قضية عادلة، ولكن كيف لها أن تحيا في ظل صراع مشحون ونزاع دائم على هوية الأرض، كيف لمخرجي السينما الفلسطينية أن يعبروا عن تراثهم ومعتقداتهم وتقاليدهم في ظل الحصار والقمع والعنف والتهجير، لقد عبّر الرعيل الأول من المخرجين الفلسطنينين عن قضيتهم بطرح سينمائي أقرب إلى المزج بين الأسلوب التسجيلي والروائي، وشكلوا حركة مقاومة لإثارة القضية الفلسطيني في السينما العالمية على غرار حركات المقاومة الفلسطينية، فنجحوا أن تصل قضيتهم إلى العالم كله من خلال لغة السينما. وأكمل مسيرتهم جيل مخرجي سينما المهجر والذين ظهروا من مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، ولّدت حركتهم الفنية ثورة سينمائية وحراك شعبي ونضالي، عُرفت بالموجه الجديدة للسينما الفلسطينية.
لقد سعى مخرجو الموجة الجديدة الفلسطينية إلى تغيير نظرة الغرب عن صورة الفلسطيني الذي يقاوم المحتل ويفجر نفسه لينتقم من عدوه، إلى صورة الفلسطيني المعتز بأرضه والمتمسك بالحياة فيها والموت عليها، فهو يقاوم من أجل الإحتفاظ بهويته وطقوسه اليومية، غير آبه بالوضع المرير الذي يحياه في إصرار واضح وتجاهل تام لإستفزاز المحتل، لقد عبروا بصدق عن تمسكهم بهويتهم وتراثهم، فبلغ صداهم إلى المحافل الدولية ومهرجانات السينما العالمية.
وتبقى جدلية الهوية والإغتراب وتناولها في السينما الفلسطينية، وظل سؤال الهوية قائماً بالنسبة للمخرج الفلسطيني. فمثلث مكوّنات الهوية الوطنية الفلسطينية، وكأنه ما زل فاقداً لأحد أضلاعه: الثقافة، الدولة المستقلة المستقرة ذات السيادة، والصراع مع العدو الخارجي أو الداخلي. فالثقافة والصراع من أجل البقاء ضرورة ملحة إلى وجود دولة مستقلة مستقرة ذات سيادة.