الخلاصة:
منذ بدايات القرن العشرين شهد العالم العديد من التغيرات الثقافية الناشئة عن انتشار مفاهيم الحداثة، ومع بدايات القرن الحادي والعشرين زادت وتيرة هذه التغيرات سرعة وحدة، بالتوازي مع التغيرات والتطورات التكنولوجية وما واكبها من انتشار مفاهيم الثقافة الكونية والنظام العالمي الجديد، وما يتضمنه من مجال متعدد الثقافات يتميز بسمة العولمة و ؟ في سبيل عالم بلا حدود ثقافية أو أيديولوجية.
كما ترددت في الآونة الأخيرة مفاهيم ومصطلحات من قبيل حوار الحضارات..، حوار الثقافات..، الحوار الحضاري مع الآخر ... حوار الأديان
وترى الباحثة أنه من المنطقي قبل أن أقيم حوار مع الآخر أن أقيم حوارا مع ذاتي الحضارية أو... وأن اتعرف على خصائصي الثقافية المميزة (خرائطها وأسسها ومبانيها المعرفية والفكرية ومآلاتها وإنجازاتها الحضارية التي تميزنا كأمة حضارية كان لها إسهاماً ثقافياً في التراث الثقافي العالمي وذلك إذا أردنا أن نصبح شركاء فعليين في هذا العالم، وليس متلفين فقط... ولسنا مقلدين. وفي نفس الوقت أن أتعرف على الآخر إنجازاته وزلاته.
لا يجوز أن نكتفي بالتلقي السلبي لمنجزات الآخر والتقليد الأعمى لها بل يجب أن نتعرف على ما وراء هذه المنجزات من خلال التعرف على مناهجه وأبنيته الفكرية والفلسفية ونظرياته الجمالية المعرفية والإيديولوجية، وإعادة تفسيرها ونقدها، وذلك لإلقاء الضوء على التحولات الثقافية التي أدت إليها.
وتساءل الباحثة كيف يمكن أن يحدث حوار متكافئة قائم على الندية، ويمثل إضافة إبداعية معاصرة للثقافة العالمية في ظل الانفتاح الكبير على الغرب وتبني قيمة الجمالية، واستعارة أنماطه الثقافية، ولا يخفي أن خطورة الخضوع والاندماج وتبني الأيديولوجيات الثقافية الوافدة... هو بمثابة نفي وتغييب للوعي بالذاتية الثقافية... بل والعمل على هدمها، مما يتيح الفرصة للفكر الوافد الدخيل بكل متغيراته الفكرية، وانحرافاته القيمية.. وما أدت إليه من انحراف في الفكر والفن، إلى محو وتذويب الهويات الثقافية المتميزة وهو ما يطلق عليه الآن العولمة الثقافية والتي تهدف إلى التنميط الثقافي العالم وتغييبه واغترابه تمهيدا لجعله تابعة للقطب الأوحد في العالم الذي يهدف في سعي د موب لاختراق الهويات الثقافية، وتم بيعها وذوبانها تمهيدا للسيطرة والهيمنة على مقدراتها.
يقول "جابر عصفور": "إن فعل النهضة ليس استعارة سلبية لنموذج مغاير لدى الآخر، وإنما يتم من خلال امتداد تاريخي في الحاضر الذي ينطوي على تراثه والذي يعيد تأويله مما يؤكد التقدم لا التخلف، والانفتاح لا الانغلاق، والإبداع لا الاتباع وحيوية التنوع والمغايرة.(جابر عصفور، 1996: 21)
بهدف النهوض من الكيكة الثقافية، وإثبات الوجود الحضاري للأمة، واستعادة المبادئ الفعالة فيه، تلك المبادئ التي صنعت حضارتنا وفقا لأسس مشتركة بين الحضارات، لذا يجب التمسك بالذاتية الحضارية، والأصول الثقافية وتكوين الوعي بها وتحليلها، واتخاذها مصدرا تتم من خلاله قراءة الثقافة الوافدة بكل تناقضاتها وتصدعاتها الداخلية، والتحولات التي أدت إليها، واتخاذ موقف نقدي واضح منها.
أن الأصول الثقافية للأمة تعتبر مصدر قوتها، ومصر تميزها عن غيرها من الأمم، وذلك لأنها تعتبر معيارا من معايير الخصوصية والانتماء رهي معيار التصنيف والتمايز والتنوع بين الأمم، فهذه الأصول التي تحدد للأمة اتجاهاتها وانتمائها ورؤيتها الكلية الشاملة نحو الإبداع والجمال والفكر داخل إطار النسق العالمي.
يقول محمد سليم العراه 2001: أن المحافظة على الذاتية الثقافية وتأصيلها يعني التوازن في النظر إلى الثقافة الخاصة وإلى الثقافات الأخرى، هذا التوازن يقتضي انتقاء التبعية الثقافية، وانتقاء الانبهار الثقافي الدافع إلى التقليد والمحاكاة، وهو يعني ألا تتعلق الثقافة على نفسها، وتقتن بحاضرها أو ماضيها فتتيح النظر إلى نفسها وتتجاهل ما سواها".(محمد سليم العوا، 2001: 14) إن المقارنة بين النظرية الجمالية في التجريد بين الحضارة والفنون الإسلامية والفنون الغربية وإعادة الرؤية بين الذات والآخر وفقا لهذا المنطلق تعمل على
1- تقديم صورة تأصيلية صادقة بهدف تبيان الفروق الجوهرية بين الأنا والآخر والوعي بالتضاد في الفكر الجمالي، وإدراك الاختلاف النوعي الناشئ عن هذا التضاد بهدف وضوح الرؤية وتأصيل الوعي بالذات
والآخر على حد سواء مما يمثل مصدات للهيمنة والتبعية والتغريب.
2- ترسيم الحدود بين الأنا والأخر مما يؤصل للتوازن المعرفي" بين ما هو خاص وذاتي ومميز لنا، وبين ما هو عام وإنسائي ومشترك مع الآخرين، مما يمهد للتواصل المعرفي وفقا لنظرة نقدية متعمقة تهدف لتقييم
الانجازات وتد الزلات.
3- إدراك قيمة الذات الثقافية وإيقاظ الوعي بها بما يتناسب وفعل الإبداع الذي يميزنا كأمة حضارية ذات ثقافة مميزة ومغايرة تتمتع بالخصوصية والقراءة والفاعلية الإبداعية، فتمتد خطوط التواصل بيننا وبين ماضينا المزدهر، نجدده ونتقي منه ما يتناسب وفعل الإيداع المعاصر التأصيل منجز حضاري يتجاوز النمطية والتقليد والمحاكاة للنماذج مغايرة ويتميز بالأصالة المفقودة.
4-بلورة منهجية للتفكير النقدي المقارن بين النظرية الجمالية في الحضارة والفنون الإسلامية والفنون الغربية لتوضيح الفروق النوعية، من خلال اتخاذ موقف تقي واضح فيما بين النظريتين يهدف للتواصل المتكافئ بين ثقافتنا والثقافة الغربية وذلك لإنهاء منطق الطية والهيمنة، فلا تقليد واستنساخ وتمثل كامل ولا رفض
وقطيعة مطلقة.
5-استنباط نظریات جمالية معاصرة من شأنها تحفز الإبداع المرتكز على الخصوصية الثقافية