الخلاصة:
شهدت أوروبا لقرون طويلة نهضة مزدهرة مع مجيء العرب إلى بلاد أسبانيا ابتداءا من عام 711 ميلادية حيث كان الجزء الأكبر من أوروبا يذوب في ظلال الجهل و التخلف الإقتصادي و الإجتماعي. ومع ازدهار الحضارة العربية و الإسلامية انتشر تعليم الإسلام في مدن اسبانيا و أصبحت العقيدة الإسلامية ليست كعقيدة دينية فحسب و إنما كشريان حياة تدفقت عنه الثقافة و الفنون و العلوم و الفلسفة استمر ازدهارها حتى بعد سقوط الأندلس عام 1439، كما كان لها أثرا ملموسا على عصر النهضة الأوروبية.
ازدهرت الحضارة العربية و الإسلامية في بقعة شاسعة من العالم، من بلاد المغرب و اسبانيا غربا إلى بلاد فارس وإندونيسيا حتى الصين شرقا.
كانت الأندلس في الغرب كمنارة للعلم و الفنون، وكانت بغداد في الشرق مدينة السلام و مركزا مزدهرا للصناعة والزراعة والتجارة والعلوم، كما كان لها امتدادا متألقا امتد تأثيره إلى الشرق الأقصى حتى الهند و الصين و إندونيسيا، و إلى الشرق الأوسط حتى دمشق و القاهرة و سمرقند، و غيرها من مناطق متفرقة في جنوب أوروبا.
بالرغم من أن الحضارة العربية و الإسلامية امتدت في منطقة واسعة، و بالرغم من تأثيرها وتأثرها بفنون الشعوب التي مرت عليها إلا أن فنونها وعمارتها تميزت بالتوحد فتألفت شكلا ومضمونا، وما ليس شك فيه أنها انبثقت من دعوة التأمل في خلق السموات والأرض، مما اكتسبت سمة التأمل الروحي والتفكر العقلي اللذان تميزت بهما العقيدة الإسلامية، وعلى هذا نتج عنها سمات تشكيلية و هي التكرار والتماثل و الإنعكاس، و هي سمات استطاع الشاعر و الفنان أن يعبرا بهما عن محاكاتهما مع الذات الإلهية و فلسفتها في الحياة حيث يعبر التكرار عن اللانهائية التي تتميز بها الذات الإلهية، و يعبر التماثل عن فكرة التخلق و الانقسامات الطبيعية، و يعبر الإنعكاس عن فكرة التواصل الإلهي و الإنساني معا و لقد تأثرت الحضارة الغربية بالحضارة العربية و الإسلامية تأثرا ملموسا، فبينما كانت تسير الحضارة العربية و الإسلامية مزدهرة في منطقة الأندلس، انتبه إليها أهل شمال أوروبا في رهبة، و طال بهم التحديق باحثين عن سر إعجوبة إزدهار الأندلس العربية، مما دفعهم ذلك لدراسة السحر، و استمر البحث حتى اكتشفوا أن كلمة ( إقرأ ) المدرجة بأول سورة في القرآن الكريم كانت هي الكلمة التي أتت بالمعجزة اللغوية الكبرى إلى المسلمين، كما تيقنوا أن اللغة العربية ذاتها هي اللغة الساحرة التي أوحت المسلمين بحضارتهم المتألقة، و ذلك لكون اللغة العربية لغة مقدسة انتقل بها القرآن الكريم من أعالي السماء إلى الماديات في الأرض، ولا شك أنهم تيقنوا أن اللغة العربية ذاتها وما يحتويه القرآن الكريم من آيات كانت سببا في ازدهار هذه الحضارة العربية و الإسلامية.