الخلاصة:
الحمد لله الملك العدل الرحيم، أمر عباده أن يقيموا العدل بالقسطاس المستقيم، ويتعاملوا بالحق القويم، فقال سبحانه: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا [النساء: 8]، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أقام العدل بين العباد، وجعلهم فيه سواء الحاضر والباد، وعلى آله وأصحابه الأمجاد، والتابعين لهم إلى يوم المعاد. أما بعد،،
فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، جعله الله تعالى فيص" عند الخصومات، ووسيلة لإيصال الحقوق إلى أهلها عند المشاحنات.
ولتحقيق العدالة فيه أقامة الله تعالى على بینات ودلائل واضحات، حتى لا يدعي قوم دماء قوم وأموالهم من غير بينه ولا برهان، ولربما كان ألحن بحجته فيقضي له بناء على لحنه فيضل القاضي عن سواء السبيل، فكان لابد من البينات التي تكون كالشمس في رائعة النهار .
وهذه البينات منها المنصوص عليها بأصلها ونوعها كالإقرار والشهادة، ومنها غير ذلك كالقرائن التي يعرف من لحنها وفحواها ما يوصل إلى المقصود، بأن تساعد في الإثبات أو النفي القضائيين.
فالبحث في القرائن الموضوعية، هو إحدى وظائف القاضي عند عدم وجود الأدلة المادية، وهذه القرائن تستنبط استنباط وتفهم من خلال مجريات الأمور وتستشف منها عقلا، أو يوقف عليها بطرق البحث والتقنية الحديثة، وربما يكون الطريق إليها هو الخلل والتناقض في أقوال المتهم، وما شابه ذلك، فهي تختلف بحسب طبيعة حال كل منها، وفيها يبرز دور حنكة القاضي وفطنته وخبرته، وذلك بالاعتماد على القرائن والأمارات الظاهرة او المستنبطة من الواقعة.
وقد تعددت أساليب هذا النوع من البينات وتطورت تقنياتها في العصور الحديثة فأخذت وثاقة أكثر، ومنهجا أخطر، فكان لابد من بحثها تفصيلا ليعلم ما فيها من أقوال ومن دلائل على سيئات الأفعال.
وقد كان مجمع الفقه الإسلامي الدولي موفقا إذ أعاد طرح بحثها في دورته العشرين، لتأخذ مسائل هذا الباب الكثير من التمحيص حتى يستبين الحق وتظهر ما فيها من قوة في الإثبات أو النفي ليكون الحكم على سواء السبيل وقد أسهمنا بهذا البحث المستخلص من كثير من الأبحاث المعاصرة والكتب العتيقة المؤصلة، ولعلنا قد وفينا بالموضوع تأصيلا وتفريعة ليسهل اتخاذ قرار مجمعي يكون عمدة القضاة والمفتين، ورجال الحسبة الصالحين.
والله نسأل أن ينفعنا وتمن قرأه بما فيه، ويأجرنا | بها بذلناه من جهد ابتغاء مرضاته ونفع عباده، إنه ولي حمید.