الخلاصة:
إن التصوف في كل الديانات السماوية هو نمط طقوسی لممارسة النزعة الروحانية الإنسانية الصافية والضافية ، والإعلان الوجداني عن أن العبودية لله وحده ، خضوع کامل منزه عن كافة الغرائز والرغبات المادية الدنيوية ، وحالة من السمو والطهارة والقداسة يضفيهما التصوف على مريديه وأتباعه ، بيد أن هذا المنحى الديني سرعان ما تطور وتغير مع مرور الزمن، بحيث تفرع المفهوم العام إلى فرق وجماعات يطلق عليها "الطريقة" أي الأسلوب الذي تنتهجه جماعة ما لممارسة التصوف الذي لا يختلف في لحمته وسداه في جميع الديانات ، ومن ثم فإن الرصد التاريخي لهذه الظاهرة العالمية يسجل العديد من الانحرافات في آليات عمل هذه الحركات بحيث إن بعضها قد يخرج من مفهوم التصوف وجوهره إلى العقيدة السياسية التي لا علاقة لها بأصل النزعة الروحية الخالصة ، وكان من بين ذلك تيار عريض من المتصوفة اليهود الذين جعلناهم مقصد هذه الدراسة وموضوعها الرئيسي .
ولأن التصوف في عقيدته تشبث الجسد بالأرض وتعلق الروح بالسماء ، وفي كل أنواعه تبدو الخلوة" و "التأمل" قرينا رغبة الخلاص والتعجيل بالنهاية الأجل أن يلتقي المتصوف بالمتصوف له، فإن المفارقة التاريخية تشير بأن هذا التيار الديني - التصوف اليهودي - كان صاحب الترويج لفكرة الأرض الموعودة " والمبدع الحقيقي لها لخدمة اليهودية بوجه عام واليهود بصفة خاصة ، وهذه الأيديولوجيا يلزمها حكما "غطاء سياسي" يدعمها ويفضي إليها فتفتقت قريحتهم بالتالي عن آلية (الاستيطان) لممارسة الدين والسياسة معا ، ولا يعرف الكثيرون أن المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي اختراع صوفي يهودي خالص وهذه هي المشكلة البحثية لهذه الدراسة ، فكيف أن التيار الديني الانعزالي (الروحاني) ينخرط في السياسة وينظر لها إلى هذا الحد ؟.