الخلاصة:
إن الخطوط العربية التي تکتب بها رؤوس السور هي نفسها التي تزين المساجد والمدارس والقصور، وافتتاحيات أمهات کتب الفقه والنحو، والتفاسير والتاريخ، لقد انتقلت ايات القران الکريم من صفحاته إلى الجدران والقباب والمحاريب، هکذا جاء الخط العربي ليربط بقوة بين العمارة کموضوع للبناء، وبين القران الکريم باعتباره مصدر کل القيم، والموضوعات التي حملها الخط في ثنايا هذه المباني، کما کان حاضراً في کل الفنون الإسلامية، هکذا أصبح الخط وسيلة ثقافية فعالة تحمل مضامين مختلفة، بدءً من العمارة وانتهاءً بأدق تفاصيل تلک المقتنيات والمنمنمات. فقد حمل الخط رسالة سامية ومقدسة، ، لقد کان الخط العربي يعبر عن محتوى ديني في الأساس ويحمل جانب توثيقي ينسجم مع عمارة مبانيها الدينية، وينسجم في تفاصيله وتصاميمه مع منظومة زخرفية أشمل تتناغم فيها الزخارف الکتابية تارة مع الزخارف النباتية وتارة أخرى مع الزخارف الهندسية، ويبقى الخط من بين کافة الزخارف هو الفن الأقوى والأکثر استحواذاً على الاهتمام في منظومة الفنون البصرية، وذلک بسبب الجانب الثقافي الذي يحمله الخط و الجانب البصري المکمل للصيغ الجمالية.
لقد ارتبط الخط العربي بالعمارة الإسلامية بعلاقات ميزت العمارة الإسلامية عن أي عمارة أخرى، حيث نجد دور الخط هامشياً في فنون العمارة فالثقافات الأخرى، ولم يرتق أن يکون فناً بصرياً مستقلاً بذاته. فقد تميزت الزخارف الإسلامية ومن ضمنها الخط عن بقية الزخارف فالثقافات الأخرى بميزة فريدة تجعل منه نسقاً خاصاً في مفهوم الزخرفة، ففي العمارة الغربية في أوروبا وفي شرق وجنوب اسيا تأتي الزخارف نحتاً کانت أو رسماً باستقلالية تامة عن البناء، أي أنه بالامکان لهذه الزخارف أن تنتقل من مکانها إلى مکان اخر من دون أن يتأثر شکل البناء. بينما يختفي هذا في العمارة الإسلامية، حيث تکون الزخرفة والسطح شيئاً واحداً، بغض النظر عن تقنية البناء وعن نوع الزخرفة، فالعلاقة بين السطح والزخرفة علاقة تکاملية وهو ما أسهم في ازدهارها ، والصفاء الذهني والبصري الذي حققته، فلا يمکن فصل الخط عن مادة البناء وسطحه عن الزخارف المحيطة به، فتعتبر الأوساط والخطوط استمراراً لبعضها البعض وهو مبدأ الوحدة و الاستمرارية في فلسفة الفن الإسلامي.