الخلاصة:
بقدر ما تلعب الذاكرة الجماعية للماضى دوراً مهماً فى خلق الشعور بإنتماء الشعب إلى مجتمعه ، فإن الرموز الشعبية تمارس سلطتها عملياً فى عملية صنع الهوية التى يتم فيها اختيار الرموز لتمثيلها ، و من المعروف أن التراث الشعبى الليبى كان نتاجاً للعديد من الرموز الخاصة التى اضافت أهمية إلى جوانبه الثقافية ، و جعلته يجمل قيماً جمالية رائعة و أشكالاً بصرية ، و لقد عانى المجتمع الليبى من تقلبات حضارية مختلفة كادت تفرض حقائقها الثقافية التى كان من الممكن أن تحدث تغييرات فى الثقافة الشعبية الليبية إلا أن النحات الشعبى الليبى حاول دائماً التعبير عن أصالة تاريخه و خصوصية التراث و ثقافته الليبية بشكل مميز خاصةً فى تلك الأوقات التى بدت فيها الحدود الثقافية غير موجودة ، و فى ظل الحروب التى تحدث على أرض ليبيا فإن التمسك بالهوية الأصلية للييبين أصبح أمراً ضرورياً ، لذا يجب أن يعى النحات الليبى المعاصر الأبعاد و المفاهيم التكنولوجية التى تمكنه من الحفاظ على تراثه ، و من هنا يجدر الإشارة إلى أهمية التأكيد على دور المصمم النحات فى إحياء رموز التراث الشعبى الليبى و خلق توازن بين التراث و الحداثة.
و لمَا كان النحت الجدارى أحد أساليب حفظ التراث الشعبى الليبى منذ القدم ، فإن غزو التكنولوجيا الرقمية فى عصر التكنولوجيا الحديثة و سيادة استخدام أجهزة الحاسب الآلى فى عالم التصميم الجدارى أصبح أمراً لا يمكن مقاومته بل من الضرورى التعامل معه و استخدامه و دراسة آثاره على استخدام رموز التراث الشعبى الليبى فى أعمال النحت الجدارى ، لأن استخدام هذه التقنيات يضيف بُعداً جديدا للجدارية المنحوتة و يُمكّن الفنان النحات الليبى من تجسيد أفكاره التى لا يستطيع التعبير عنها بشكل كامل ، و مع ذلك فإن التحدى يمكننا من التمسك بهويتنا الليبية ، و عدم السماح للتكنولوجيا بإبعاد النحات الليبى عن تأدية دوره الأصلى و هو تأصيل الهوية و حفظ رموز التراث الشعبى.