الخلاصة:
عرف العالم منذ القدم حضارات مختلفة، نشأت بينها علاقات سادها الود أحيانا وأحيانا أخرى صراع وصدام مرده إما الحرص على الزعامة والسيادة وإما الدفاع عن البقاء. لكن تبقى العلاقة بين الحضارتين العربية الإسلامية والصينية ذات طابع خاص مختلف؛ إذ أنها على مدى تاريخها تميزت بكونها ودية لم يشبها شائبة صراع أو خلاف جوهري إلا فيما ندر - مما جعلها نموذجا فريدا للعلاقات بين الأمم.
وقد كانت التجارة من أهم وسائل نقل المؤثرات الحضارية وتبادلها، حيث كانت وما تزال لهم مظاهر العلاقات البشرية والمعبر الذي حمل النماذج الحضارية بين البلدان المختلفة، وهي التي هيأت لمزيد من التفاعلات الحضارية بينها. كذلك كان للتجارة الدور الكبير في تطور علم الجغرافيا وعلوم البحار واكتشاف البلاد ومعرفة حدودها ومواردها ومنتجاتها وعاداتها وتقاليدها.
كذلك كان لها دور في نشوء مظاهر أخرى للعلاقات البشرية تمثل في استيطان التجار واستقرارهم في البلاد التي زاروها وتزاوجهم مع أهل تلك البلاد؛ مما خلف تأثيرا متبادلا في شتى جوانب الحياة سواء في الجانب الاقتصادي او الاجتماعي أو السياسي أو الحضاري.
وقد تجسد هذا الأمر بصورته الكاملة في حالة العلاقة بين بلاد العرب والصين، فقد كانت التجارة هي العامل الرئيس في معرفة العرب بالصين والعكس، وكان وصول التجار العرب إلى الصين قد حدث منذ وقت مبكر في التاريخ. وكانت العلاقة بين العرب والصينيين في طورها الأول قائمة على تبادل الحاجات، ثم تطورت إلى تبادل مصالح، ثم إلى تبادل ثقافات وأفكار تحول إلى تبادل مؤثرات حضارية متكاملة، خاصة عندما تقاربت حدود الدولتين.