الخلاصة:
تاريخ الفن هو تاريخ البشرية سواء أكانت مأساوية أو مبهجة حيث سجل الإنسان مشاعره ووجدانه على جذوع الأشجار وجدران الكهوف وعلى الأحجار, ولعل من مقولة العالم والفيلسوف وليكنسون ما يغني عن التعقيب: إن مصر هي البكر العظمى لجميع المدنيات العالمية لأنها أثارت العالم أجمع بالفنون والعمارة" وإذا كان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي وهبته العناية الإلهية القدرة
على الإحساس بالجمال وتذوقه فإن الفنون هي وسيلته في إعادة صياغة الواقع في شكل إبداعات رائعة تحاكي أو تجسد أو تكشف عن حقائق جديدة فيه أو ترفضه أو تتعايش معه وتنسج منه أروع ما فيه. ومما لا شك فيه أن الفنون هي الواجهة الحضارية لأي مجتمع وبها يقاس مدى تقدمه وازدهاره وقد حفلت المكتبة العربية والمصرية بالدراسات والكتب عن تاریخ فنون الحضارات المصرية والإسلامية والفارسية والبيزنطية واليونانية والرومانية) وفنون ما قبل القرن العشرين. حيث إن الكتاب والمؤرخين الذين تعرضوا للكتابة في تاريخ الفن في الحقبات التي تسبق هذا القرن لم يجدوا صعوبة كبيرة في سرد الحقائق, لأن التعبير الفني يدور في فلك محدود تجمعه خصائص لا تحمل تنوعا كبيرا كما في القرن العشرين وما بعده فقد اقتربت الثقافات بين بلدان العالم في الشرق والغرب بسبب وسائل الإعلام والسموات المفتوحة وعن طريق الانترنت والفيس بوك وتويتر وغيرها .... ولذلك تعددت وسائل الفن وحركته السريعة وأساليبه ومدارسه التي تعبر عن طبيعة الإنسان في هذا القرن, وبالتالي انعكس عليه في شكل المباني والديكور والملابس بحيث إن هذا التأثير أوجد سمات مشتركة بين الشرق والغرب وقلل من الاهتمام بمحلية الفن في القرن العشرين وما بعده... ونحن نبين بوضوح من خلال هذا الكتاب دراسة وتحليلا الحد من المدارس الفنية التي ظهرت ثم اختفت أو ظهرت وتطورت واستمرت أو تكيفت بأساليب متنوعة بجهد المبدعين في شتى أنحاء العالم وسوف نتعرض البعض المدارس الفنية التي تسببت في ظهور الفن الحديث وأهم قادتها وفلسفتها واختلافها عن
غيرها بالإضافة إلى الأراء المختلفة في البحث التشكيلي. وتثبيت القيم وتداولها مهما وجه من نقد للحركات الفنية وعدم استقرارها فإنها حققت على الأقل السعي وراء الإبداع وتأكيد تاريخ الفن الحديث والمعاصر. ويجب أن نفرق بين الفن الحديث والفن المعاصر. فمن الطبيعي أن يختلط عليك معنى الكلمتين فالحديث يعني شيئا ينتمي إلى هذا العصر فهو عمل جديد يثير فينا الحماسة وعندما نتأمل كلمة معاصر فهي توحي لنا بأعمال تنتمي إلى الوقت والتاريخ الحاضر, لكن في عالم الفن هناك فرق بين الاثنتين فالكلمتان تستعملان لوصف شيئين مختلفين ومتداخلين من حيث الزمن فالحديث بالنسبة للفنان كلمة تعني عم يعود تأريخه إلى حقبة معينة, ونفس المعني بالنسبة للمعاصر وعلى الرغم
من ذلك فالفن الحديث لا يمكن مقارنته مباشرة بالفن المعاصر فهنا تكمن الصلة بين الاثنين الذين تربطهما معا عبر الزمن صلة وفي نفس الوقت تفصلهما ككيانات مختلفة تماما.
الفن الحديث ولد في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فكان هناك فنانون غير مرتبطين بالمشهد الفني السائد أنذاك فلقد تغير الناس والمحيط من حولهما وبذلك تغيرت أفكارهما. ومعظمهم قد قضى نحبه وبدأ النفور من الواقعية والشكليات التي تقيد الفنان بها, فهم يفضلون أن يروا العالم بضوء مختلف فاختاروا أن يصفوا هذه الصورة بطريقتهم الخاصة ونتيجة لذلك أصبح لدينا "الفن الحديث وفي محاولة للتعبير عن تفردهم جاء هؤلاء الفنانون بأسلوبهم الخاص الفريد من نوعه والبارز غالبا وما نصفه اليوم بالفوقية والدادائية وهي طرق استخدمت من هؤلاء الفنانين في ذلك الوقت لتصوير أعمالهم
أما الفن المعاصر فنشأ منذ الخمسين سنة الماضية حيث واجه الفنانون واقع عالمي صعب الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، الحركة النسائية والعولمة). فقد نشأوا وهم يحملون أفكارة مختلفة عن ما يحمله فنانو حقبة الفن الحديث. وبذلك أصبح لدينا عدد من الفنانين الذين يعتبرون الطرق القديمة للحداثة ملتزمة جدا أو مبهمة، فقرروا أن ينشئوا أعمالهم أو فنهم طبقا لأساليبهم الخاصة و أدى هذا إلى نشوء ما نسميه الأن الفن المعاصر". فالفن المعاصر يهتم أكثر بالمجتمع ويعنی بتغيراته والتطور التكنولوجي. فالفنانون اليوم يمتلكون الكاميرا والحاسبة وبرامج متخصصة يستخدمونها لفائدتهم وكما يرونه مناسبة وهذا يصنع فارقا كبيرة في الأعمال بين الحديث والمعاصر. وعادة ما نجد الفن المعاصر في أماكن مختلفة خارج اللوحات والمعارض. فهذا الفن موجود في كل مكان من الرسوم الهزلية في الصحف, والأفلام في التلفاز ومن التنوع في الانترنت إلى الرسوم في الشوارع وفي الفيديو والضوء, والفن المعاصر يعرف حسب الوقت الذي وجد به وليس حسب النوع الذي ينتمي له فهو الذي يحدد الزمن عليه فالفن الذي تراه حولك الآن ما هو إلا فتأ معاصر؛ فعندما تقول هذه القطعة الفنية معاصرة " فأنت تقصد أنها وجدت حديثة وإن كانت القطعة لا تحاكي الفن التقليدي أو الفن الحديث.
الفن المعاصر عندما ينشئ فنانة شيئا ما حتى لو كان مستوحى من الفن فإنه لا يتقيد بحدوده, أي إذا كان الحديث هو القالب فالمعاصر هو ما يكسر هذا القالب ليكون شيئا مختلفا.