الخلاصة:
من المعروف أن التراث الإنساني لم يولد فجاة ، بل كانت هناك دائما مقدمات لذلك التراث. وقد عرف الزجاج منذ بداية التاريخ الذي تركه الإنسان كسجلات أثرية يستدل بها على حياته. فقد وجدت أدوات كثيرة من الزجاج الطبيعي (أ) في أماكن متفرقة من العالم
وقد استخدم الإنسان البدائي هذا الزجاج في عمل الأسلحة والأدوات الدفاعية في ذلك الوقت ، وكثير من هذه الأدوات محفوظة في متحف التاريخ الطبيعي بشيكاغو. و عموما لم يعرف حتى الأن تاريخ بدء صناعة الزجاج ، ويمكن القول بأن اكتشاف النار أدى لاكتشاف الصناعات التي تعتمد على الحرارة مثل الفخار والخزف والزجاج
والواقع أن قصة الزجاج لا تسير في خط منتظم ، وذلك بسبب الظروف والأهداف والمصادر البالغة الاختلاف عن فن وصناعة الزجاج من عصر إلى عصر ومن بلد إلى بلد أخر يختلف جغرافيا وثقافيا وحضاريا. وقيل إن صناعة الزجاج ليست مجرد صناعة ذات طابع يقوم على المنفعة وحدها ، وإنما هي ابتكار فطری وتلقاني أنبثق من روح الإنسان وتحقق بفضل براعته الفنية فهو إذن فن من الفنون الصناعية . واذا كانت طرق صناعته بسيطة نسبيا في بدء أمرها فلا يجب أن تغيب عن أبصارنا العوامل ذات الطابع الجمالي التي اتسم بها هذا الانتاج ، والتي استمر بعضها حتى العصر الحديث فالأنية الزجاجية على سبيل المثال رقيقة و جميلة وأعناقها واسعة ومنطلقة الى أعلى. ولزجاجات الزينة والعطور أعناق أطول من بطونها. ومن العسير تحديد تاريخ أو تعريف أصل الأواني والأعمال التي صنعت خلال فترة ما قبل الميلاد الا في بعض المناطق مثل مصر و سوریا و أرمينيا والعراق. وهناك من القصص أقاويل كثيرة ومختلفة تحاول إثبات صحة معرفة الزجاج ونشأته وبدايته ، فمنهم من قال إنه من أصل فارسی ساسانی ، ومنهم من قال إنه من أصل أشوري، ومنهم من قال نشأته في مصر نظرا لما توافر لسكان مصر من أمن ومعيشة رغدة بعيدة عن الجوع والمسكنة وايمانهم بالحرية والخلود زادهم أمناء فانصرف الكهنة إلى البحث والعلم في كل نواحي الحياة وسر الكون وما فيه، ولا تزال آثارهم باقية تعزز هذا القول وانني لم أجد يشكل قاطع ما يبرهن على صحة هذة الأقاويل بخلاف الأدلة والبراهين التي تشير إلى ما يؤكد أن المصريين القدماء أول من صنع الزجاج وعرفه فقد وجدت في مقابرهم أقدم أثار لهذه المادة حيث كانوا يصنعونها ، فيما قبل الميلاد بحوالي أربعة آلاف عام ، وهناك بعض أنواع من الخرز والتعاويذ الزجاجية مؤرخة بهذه الفترة ومازال الكثير منها محفوظا في المتاحف ودور الأثار بجيمع أنحاء العالم. ومن أهم استخدامات المصريين القدماء لمادة الزجاج ، طلاء الأسطح والطبقات الخارجية للأدوات الاستخدامية والأنية الفخارية والواجهات المعمارية المقابر ودهان التماثيل والتمائم بطبقة من الزجاج ، فقد كان السطح المراد طلاؤه يرش ببودرة الزجاج ثم يعرض للتسخين بالحرارة حتى تلين هذه الطبقة الزجاجية وتعطى سطحا لامعا مزججأ كالقيشاني ، ومن أمثلة ذلك الشكل رقم (1) باب الهرم المدرج بمنفيس من الأسرة الثالثة، تم دهان الطبقة